للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)}

الشرح: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} أي: من أهل مكة من يصدق بالقرآن الكريم، ويعترف بأحقيته.

ومنهم من لا يصدق به، ولا يعترف بأحقيته، وهذا؛ وعد من العلي القدير، وبشارة منه لنبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن من قومه من يؤمن بالله، كيف لا؟ وقد أنجز الله من وعد؛ حيث آمن أكثر قريش وأكثر العرب، ثم حملوا لواء الإسلام، فنشروا تعاليمه في كل مكان، وقد مات منهم على الكفر من قدر الله له ذلك في الأزل، كأبي جهل، وأبي طالب، وأبي لهب، وأمثالهم وهؤلاء لو تركوا وشأنهم لما اختاروا غير الكفر؛ فلذا قدره لهم وقضاه عليهم. {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}: المعادين المصرين على الكفر، الذين سجل الله لهم الشقاوة والتعاسة في قديم الأزل.

الإعراب: {وَمِنْهُمْ}: الواو: حرف استئناف، (منهم): متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

{مَنْ}: اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر، وجملة:

{يُؤْمِنُ بِهِ} صلة {مَنْ،} أو صفتها هذا هو الإعراب الظاهر، ولا أعتمده، وإنما أعتمد ما ذكرته في الآية رقم [٤٩] التوبة، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، وإعراب ما بعدها مثلها، ولا فرق بينهما في الإيجاب والنفي. {وَرَبُّكَ}: مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَعْلَمُ}: خبره، وهو بمعنى عالم، وليس على بابه؛ لأنه لا أحد يشرك الله في علمه بحقيقة الفاسدين المفسدين. وفاعله مستتر فيه. {بِالْمُفْسِدِينَ}:

متعلقان ب‍ {أَعْلَمُ} والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من فاعل {يُؤْمِنُ} المستتر، ويكون الرابط: الواو، والضمير المقدر ب‍ (منهم)، أي: المفسدين منهم.

{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ (٤١)}

الشرح: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ} أي: وإن كذبك قومك يا محمد، ولم يؤمنوا بما جئتهم به من الهدى والنور. {فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أي: قل لهم: لي عملي الذي أعمله فأجزى به، وهو الطاعة لا غير فأثاب عليها. {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}: وهو الشرك، والضلال، والفساد، فتعاقبون عليه، وتحاسبون به. {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ..}. إلخ، أي: فأنتم لا تسألون عن عملي وأنتم بريئون منه، وأنا بريء من عملكم، ولا أسأل عما تعملون، وما أشبه معنى هذه الآية بالآية رقم [٣٥] من سورة (هود).

تنبيه: في هذه الآية الكريمة قطع لأواصر القرابة، وصرم للصداقة يوم القيامة بين المؤمنين والكافرين، وهذا قد نطق فيه القرآن {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>