هذا؛ و {خَيْرٌ} أفعل تفضيل، أصله: أخير، نقلت حركة الياء إلى الخاء؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم حذفت الهمزة استغناء عنها بحركة الخاء. ومثله قل في:«حبّ» و «شر» اسمي تفضيل؛ إذ أصلهما: أحبب، وأشرر، فنقلت حركة الباء الأولى، والراء الأولى إلى ما قبلها، ثم أدغم الحرفان المتماثلان في بعضهما، ثم حذفت الهمزة من أولهما استغناء عنها بحركة الحاء والشين، وقد يستعمل خير وشر على الأصل، كقراءة بعضهم قوله تعالى: «(سيعلمون غدا من الكذاب الأشرّ)» بفتح الشين رقم [٢٦] ونحو قول رؤية بن العجاج: [الرجز] يا قاسم الخيرات وابن الأخير... ما ساسنا مثلك من مؤمّر
وخير، وشرّ، وحبّ يستعملن بصيغة واحدة للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والجمع؛ لأنهن بمعنى أفعل كما رأيت.
الإعراب:{أَكُفّارُكُمْ:}(الهمزة): حرف استفهام إنكاري توبيخي. (كفاركم): مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة. {خَيْرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ أُولئِكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {خَيْرٌ،} والكاف حرف خطاب لا محل له. {أَمْ:} حرف عطف. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {بَراءَةٌ:} مبتدأ مؤخر. {فِي الزُّبُرِ:} جار ومجرور متعلقان ب: {بَراءَةٌ،} أو بمحذوف صفة له، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {أَمْ:} حرف عطف، يقوم مقام:«بل، والهمزة». {يَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {نَحْنُ:} ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. {جَمِيعٌ:} خبره. {مُنْتَصِرٌ:} صفة: {جَمِيعٌ،} والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{يَقُولُونَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} أي: جمع كفار مكة. {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي: الأدبار، فوحد لأجل رؤوس الاي. وقيل: في الإفراد إشارة إلى أنهم في التولية كنفس واحدة، فلا يتخلف أحد عن الهزيمة، ولا يثبت أحد للزحف، فهم في ذلك كرجل واحد. وقال سعيد بن المسيب-رحمه الله تعالى-: سمعت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يقول: لما نزلت: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يثب في درعه، ويقول:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فعلمت تأويلها. وروى سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-مثله. وقد روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنه قال: كان بين نزول هذه الاية وبين بدر سبع سنين، وهذا يعد من الأمور المغيبة؛ التي أخبر عنها القرآن قبل