للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت قريش تعيش بتجارتهم، ورحلتهم، وكانوا لا يتعرض لهم أحد بسوء، وكان الناس يقولون: قريش سكان حرم الله، وولاة بيته، وكانت العرب تكرمهم، وتعزهم وتعظمهم لذلك، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف. فشق عليهم الاختلاف إلى اليمن، والشام، فأخصبت تبالة وحرش من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكة، أهل الساحل حملوا طعامهم في البحر على السفن إلى مكة، وأخصب الشام، فحملوا الطعام منه أيضا إلى مكة، وألقوا بالأبطح، فامتار أهل مكة من قريب، وكفاهم الله مؤنة الرحلتين جميعا. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانوا في ضرّ ومجاعة؛ حتى جمعهم الله على الرحلتين، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني، والفقير حتى صار فقيرهم كغنيهم، وقال الكلبي: كان أول من حمل القمح من الشام، ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف، وفيه يقول الشاعر: [الكامل]

عمرو العلا هشم الثريد لقومه... ورجال مكة مسنتون عجاف

هذا؛ وذكر السيوطي في أسباب النزول. قال: أخرج الحاكم، وغيره عن أم هانئ بنت أبي طالب-رضي الله عنها-. قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضّل الله قريشا بسبع خصال

الحديث، وفيه نزلت فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ..}. إلخ».

الإعراب: {لِإِيلافِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: فعلنا كذا، وكذا بأصحاب الفيل. وهذا على اعتبار السورة متصلة بسابقتها. وقيل: متعلقان بمحذوف تقديره أعجبوا لإيلاف، ومتعلقان بالفعل الآتي على اعتبار السورة منفصلة عما قبلها، والفاء صلة، و (إيلاف) مضاف، و {قُرَيْشٍ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. {إِيلافِهِمْ:} بدل مما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. من إضافة المصدر لفاعله. {رِحْلَةَ:} مفعول به للمصدر، والأصل:

(رحلتي الشتاء والصيف) يدل عليه المعنى، و {رِحْلَةَ:} مضاف، و {الشِّتاءِ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، {وَالصَّيْفِ:} الواو: حرف عطف. (الصيف): معطوف على ما قبله.

تنبيه: (الرحلة) بكسر الراء: الارتحال، والرّحلة (بضم الراء) الجهة التي يقصدها المسافر، وعالم رحلة: عالم يرتحل إليه من الآفاق. والرّحل مسكن الرجل، وما يستصحبه من الأثاث، وهو أيضا رحل البعير، وهو أصغر من القتب، والراحلة: الناقة التي تصلح؛ لأن ترحل. وقيل:

الراحلة: المركب من الإبل ذكرا كان، أو أنثى. انتهى.

{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)}

الشرح: لقد أمر الله جلت قدرته قريشا بعبادته؛ لإنعامه عليهم، وذلك؛ لأن الإنعام على قسمين: أحدهما: الأمن من الخوف ودفع الضرر، وهو ما ذكر في السورة السابقة. والثاني:

<<  <  ج: ص:  >  >>