معناه: لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات. وقال واثلة بن الأسقع-رضي الله عنه- قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار». رواه الشيخان وغيرهما.
هذا؛ و {قُرَيْشٍ} قبيلة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنها بنو أمية، فيلتقون معه صلّى الله عليه وسلّم في عبد مناف؛ لأن أولاده هم: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل. وكان يقال لهم: أقداح النضار؛ أي: الذهب، كما يقال لهم: المجيرون؛ لكرمهم، وفخرهم، وسيادتهم على سائر العرب. فالرسول صلّى الله عليه وسلّم يرجع نسبه إلى هاشم، وبنو أمية يرجع نسبهم إلى عبد شمس، فهم جميعا أولاد عم. وبطون قريش غير هذين البطنين كثيرة كما هو معروف. وسموا جميعا قريشا على أقوال: أحدها: لتجمعهم بعد التفرق، والتقرش: التجمع، والالتئام. الثاني: لأنهم كانوا تجارا يأكلون من مكاسبهم، والتقرش: التكسب. الثالث: لأنهم كانوا يفتشون عن الفقير المحتاج، فيسدون خلته. والقرش:
التفتيش. الرابع: ما روي: أن معاوية سأل ابن عباس-رضي الله عنهما-: لم سميت قريش قريشا؟ فقال: لدابة في البحر من أقوى دوابه، يقال لها: القرش، تأكل، ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، وأنشد قول تبّع: [الخفيف]
وقريش هي التي تسكن البح... ر بها سمّيت قريش قريشا
تأكل الغثّ والسّمين ولا تت... رك فيه لذي جناحين ريشا
هكذا في الكتاب حيّ قريش... يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبيّ... يكثر القتل فيهم والخموشا
يملأ الأرض خيله ورجاله... يحشرون المطيّ حشرا كميشا
وإليك البيتين الآتيين، وهما لمساور بن قيس يهجو فيهما بني أسد: [الوافر]
زعمتم أنّ إخوتكم قريش... لهم إلف وليس لكم إلاف
أولئك أومنوا جوعا وخوفا... وقد جاعت بنو أسد وخافوا
يقول: لستم من قريش، ولا قريش منكم، فدعواكم إخوتهم باطلة؛ لأنهم أطعموا من جوع وأومنوا من خوف، ولستم كذلك.
{إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا في الحرم، ويعبدوا رب هذا البيت. وقال الأكثرون: كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة: رحلة في الشتاء إلى اليمن؛ لأنها أدفأ، ورحلة في الصيف إلى الشام؛ لأنها أبرد، وكان الحرم حول مكة واديا لا زرع فيه، ولا ضرع،