شيخه. وأرى: أنها حرف استئناف؛ لأنّ الجملة بعدها متضمنة التوبيخ، والإنكار، وأن الوقف على {آباءَنا} جيد، والمعنى تامّ لا يحتاج إلى تقييده بحال، وأن الاستفهام إنشاء، ولا يصح وقوعه حالا كما هو معروف، وأن تقدير معطوف عليه محذوف تكلّف لا داعي له.
({لَوْ}): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {كانَ:} فعل ماض ناقص. {آباؤُهُمْ:}
اسمها، والهاء في محل جر بالإضافة. {لا:} نافية. {يَعْقِلُونَ:} مضارع وفاعله. {شَيْئاً:}
مفعول به، وله متعلق محذوف، التقدير: شيئا نافعا من أمر الدين، والجملة الفعلية في محل نصب خبر:{كانَ} والتي بعدها معطوفة عليها، فهي في محل نصب مثلها، والمتعلق محذوف؛ إذ التقدير: لا يهتدون إلى حق. وجملة:{كانَ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب ({لَوْ}) محذوف، التقدير: لاتبعوهم، و ({لَوْ}) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، كما ذكرت في الواو، وما أجدرك أن تنظر الآية رقم [١٠٤] من سورة (المائدة)؛ فهي مثلها في كل شيء مع اختلاف في بعض الألفاظ، وأيضا الآية رقم [٢١] من سورة (لقمان) وهو لا يؤثر في المعنى، والإعراب. والله الموفق للحقّ والصواب.
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١)}
الشرح:{وَمَثَلُ الَّذِينَ..}. إلخ: شبّه الله تعالى واعظ الكفار، وداعيهم، وهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالرّاعي الذي ينعق بالغنم، والإبل، فلا تسمع إلا دعاءه، ونداءه، ولا تفهم ما يقول. هكذا فسره ابن عباس-رضي الله عنهما-وغيره، وهذه نهاية الإيجاز. قال سيبويه-رحمه الله تعالى-:
ولم يشبهوا بالناعق، إنّما شبهوا بالمنعوق به، والمعنى: ومثلك يا محمد، ومثل الذين كفروا كمثل الناعق، والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم. فحذف لدلالة المعنى عليه، وقال ابن زيد -رحمه الله تعالى-: المعنى: مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة من الجماد، كمثل الصّائح في جوف الليل، فيجيبه الصّدى، فهو يصيح بما لا يسمع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه، ولا منتفع.
وقيل: المعنى: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم، كمثل النّاعق بغنمه، لا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنّه في عناء، وكذلك الكافر ليس له من دعائه الآلهة إلا العناء.
وقيل غير ذلك، والأوّل هو الأولى بالاعتبار.
هذا؛ وفي قوله تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا..}. إلخ تشبيه مرسل، ومجمل، مرسل لذكر الأداة، ومجمل لحذف وجه الشبه. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين عن الآية: لك أن تجعل هذا التشبيه من المركّب، وأن تجعله من التشبيه المفرّق، فإن جعلته من المركّب؛ كان تشبيها للكفار في عدم فقههم، وانتفاعهم بالغنم؛ الّتي ينعق بها الراعي: فلا تفقه من قوله شيئا غير