الصّوت المجرّد الذي هو الدعاء والنّداء. وإن جعلته من التشبيه المفرّق؛ فالذين كفروا بمنزلة البهائم، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها، ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النّعق، وإدراكهم مجرد الدّعاء والنّداء كإدراك البهائم مجرّد صوت الناعق. والله أعلم.
هذا ويقال: نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا، ونعاقا: إذا صاح بها، وزجرها. قال الأخطل في هجاء جرير:[الكامل]
فانعق كضأنك يا جرير فإنّما... منّتك نفسك في الخلاء ضلالا
وبالجملة: المعنى: ومثل الكفار في عدم انتفاعهم بالقرآن، وحججه السّاطعة، ومثل من يدعوهم إلى الهدى، كمثل الراعي الذي ينعق بغنمه، ويزجرها، فهي تسمع الصّوت، والنداء دون أن تفهم الكلام، والمراد، أو تدرك المعنى الّذي يقال لها، ولكنّها لا تجيب بالقول، فهؤلاء الكفار كالدّواب، لا يفهمون ما تدعوهم إليه، ولا يفقهون، يسمعون القرآن، ويصمّون عنه.
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} انظر الآية رقم [١٨] وخذ هنا زيادة على ما ذكرته هناك قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٣٩]: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٧٩]: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ}.
الإعراب:{وَمَثَلُ:} الواو: حرف استئناف. ({مَثَلُ}): مبتدأ، وهو مضاف، و {الَّذِينَ:}
مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلّق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {يَنْعِقُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الّذي، وهو العائد، والجملة صلة:{الَّذِي}. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة المنفية:{لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَنِداءً} صلة الموصول، لا محل لها، والعائد الفاعل العائد إلى (ما)، وينبغي أن تعرف: أنّ بعد هذا الإعراب حذفا، وتقدير الكلام: مثل داعي الذين كفروا إلى الهدى كمثل الناعق بالغنم، وإنما قدر ذلك ليصح التشبيه، فداعي الذين كفروا كالناعق بالغنم، ومثل الذين كفروا كالغنم المنعوق بها. انتهى عكبري بتصرف. وانظر الشرح. والجملة الاسمية:({مَثَلُ الَّذِينَ..}.) إلخ مستأنفة لا محل لها.
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ:} يجوز أن تكون هذه الأسماء أخبارا لمبتدإ محذوف، وأن تكون أخبارا لمبتدآت محذوفة، والجملة الاسمية الواحدة، أو الجمل المتعدّدة في محل نصب حال من واو الجماعة. والرابط الضمير فقط، وهو المبتدأ المقدر ب «هو»، والاستثناء ممكن، فلا يكون لها محل من الإعراب. {فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف، وسبب. (هم): ضمير منفصل مبني على