الشرح:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هؤلاء نصارى نجران، فإنّهم قالوا هذه المقالة، وهو مذهب اليعقوبيّة، والملكانية من النّصارى، فإنّهم يقولون في المسيح: إنّه الله، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا. وإنّما قالوا هذه المقالة الخبيثة؛ لأنّهم يقولون بالحلول، وإنّ الله قد حلّ في بدن عيسى، فلمّا كان هذا اعتقادهم لا جرم حكم الله عليهم بالكفر. {قُلْ:} خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي: قل يا محمد لهؤلاء النّصارى الذين يقولون ما تقدّم: فمن يقدر أن يدفع من أمر الله شيئا إن أراد أن يميت ويهلك عيسى وأمّه، ويهلك من في الأرض جميعا. والمعنى: لو كان عيسى إلها كما يفترون لقدر على دفع الهلاك عن نفسه، وعن أمّه، وغيرها. وهؤلاء استدلوا بأعمال عيسى من إحياء الميت، وإبراء الأبرص، والأكمه... إلخ على ألوهيته، وهم القائلون باتّحاد النّاسوت باللاّهوت. وقيل: لم يصرح به أحد منهم، ولكن لمّا زعموا: أنّ فيه لاهوتا، وقالوا: لا إله إلا واحد؛ لزمهم أن يكون هو المسيح. فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم، وفضحا لمعتقداتهم.
{وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ..}. إلخ، أي: ملكا، وخلقا، وعبيدا. {وَما بَيْنَهُما} أي: الموجودات بين السّماوات، والأرض من أفلاك، وكواكب في السّماء، وما على الأرض من جبال، وأنهار، وبحار... إلخ، فكلّ ذلك ملك لله تعالى، لا يشركه فيه أحد، وما يملكه الإنسان في هذه الدنيا إنّما هو ملك له في الظاهر قد منحه الله له؛ ليتمتّع به على سبيل الوكالة، والأمانة، وويل لمن قصّر في الوكالة، وخان في الأمانة!.
هذا؛ وقد أعاد الضّمير إلى:{السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} مثنى، والمرجوع إليه مجموع السّماوات والأرض، وتثنية الجمع جائزة على تأويل الجماعتين، أو الصنفين، أو النوعين، أو الشيئين، كقول القطامي:[الوافر]
ألم يحزنك أنّ حبال قيس؟ ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا
أراد: وحبال تغلب، فثنّى، والحبال: جمع؛ لأنّه أراد الشّيئين، أو النوعين. وقال الشاعر يذمّ عاملا على الصّدقات:[البسيط]