للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

لأصبح النّاس أوبادا ولم يجدوا... عند التّفرّق في الهيجا جمالين

فقد ثنّى: جمال؛ الذي هو جمع: جمل، والعقال: صدقة عام، والسّبد: المال القليل، واللّبد: المال الكثير، وأوبادا: هلكى، جمع: وبد. فهو يقول: صار عمرو عاملا على الصّدقات في سنة واحدة، فظلم، وأخذ أموالنا بغير حقّ حتّى لم يبق لنا إلا الشيء القليل من المال، فكيف حالنا، أو: كيف يبقى لأحد شيء لو صار عمرو عاملا في زكاة عامين؟! ثم أقسم، فقال: والله لو صار عمرو عاملا سنتين لصارت القبيلة هلكى، فلا يكون لهم عند التفرّق في الحرب جمالان، فيحتلوا بالغزوات.

هذا؛ وقوله تعالى: {أَنْ يُهْلِكَ..}. إلخ يفيد: أنّ عيسى-على نبيّنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-مملوك مقهور، وقابل للفناء كسائر الممكنات، ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهية. {يَخْلُقُ ما يَشاءُ} هذه الجملة تزيح الشّبهة عن النّصارى في أمر عيسى، عليه السّلام، فهي تفيد: أنّ الله عزّ وجل قادر على الإطلاق، يخلق من غير أصل، كما خلق السموات والأرض، ومن أصل كخلق ما بينهما، فينشئ من أصل ليس من جنسه، كآدم خلقه من تراب، وكثير من الحيوانات، ومن أصل يجانسه، إما من ذكر وحده، كحواء، خلقت من آدم، أو من أنثى وحدها، كعيسى خلق من مريم، أو من كليهما كسائر النّاس، والحيوانات. وانظر: {يَفْعَلُ ما يَشاءُ} في الآية رقم [٤٠] من سورة (آل عمران).

هذا؛ و (المسيح) لقب عيسى، على حبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة وألف سلام، وهو من الألقاب المشرّفة كالصدّيق لأبي بكر، رضي الله عنه، والفاروق لعمر رضي الله عنه، قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: سمّي عيسى: مسيحا؛ لأنّه ما مسح ذا عاهة إلا برأ منها. وقيل: لأنّه مسح بالبركة، كما حكى القرآن قوله في سورة (مريم): {وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ} وقيل: لأنّه مسح من الأقذار، وطهر من الذنوب. وقيل: سمّي مسيحا؛ لأنّه كان مسيح القدمين، ولا أخمص له. ولا أرتضيه؛ لأنه عيب في الرّجال، ونبينا صلّى الله عليه وسلّم كان خمصان الأخمصين، وأصله بالعبرانية المشيح بالشين، كما عرّب موسى، وأصله: موشى. هذا؛ وسمّي الدجال مسيحا؛ لأنّه ممسوح العينين، وقد يكون المسيح بمعنى الكذّاب، وهو بالدّجال ألصق، وعليه تكون الكلمة من الأضداد، وبعضهم يقول في الدّجال: المسيخ بالخاء، قال الشاعر: [الرجز]

إنّ المسيح يقتل المسيحا

وأطلق على الدّجال: المسيح، بالحاء؛ لأنّه يسيح في الأرض، أي: يطوفها، ويدخل جميع بلدانها إلا مكّة، والمدينة، وبيت المقدس، فالدّجال يمسح الأرض محنة، وابن مريم

<<  <  ج: ص:  >  >>