الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ من الآية رقم [١١٠] من سورة (آل عمران)، فعطف (أكثرهم) على منهم يؤيد: أن معناه بعضهم، وخذ قول الحماسي:[الكامل]
منهم ليوث لا ترام وبعضهم... ممّا قمشت وضمّ حبل الحاطب
حيث قابل لفظ:(منهم) بما هو مبتدأ، أعني لفظة:(بعضهم) وهذا مما يدل على أن مضمون (منهم) مبتدأ. هذا؛ وليوث جمع: ليث، وهو الأسد، (لا ترام): لا تقصد. (قمشت):
جمعت من هنا، وهناك، والمراد: رذالة الناس، والقمش: الردئ من كل شيء.
الشرح:{وَلَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وَهارُونَ:} أنعمنا عليهما بالنبوة، وغيرها من المنافع الدينية، والدنيوية. {وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ:} وهو قهر فرعون لقوم موسى، وما كان يفعل في حقهم من الإساءة العظيمة، من قتل الأبناء، واستحياء النساء، واستعمالهم في أخس الأشياء، ثم بعد هذا كله نصرهم عليهم، وأقر أعينهم بهلاكهم، وأورثهم أرضهم، وديارهم، وأموالهم. قال تعالى:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها}. الآية رقم [١٣٧] من سورة (عمران).
{وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ} أي: التوراة. {الْمُسْتَبِينَ:} الواضح الجلي، الذي فيه تبيين الحلال، والحرام، وفيه تفصيل الأحكام، كما قال تعالى في سورة (الأنبياء)[٤٨]: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ}. {وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: دللناهما وثبتناهما على الطريق المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه، وهو دين التوحيد الذي ابتعث به أنبياءه، ورسله، ومنه قوله تعالى في سورة الفاتحة:{اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
الإعراب:{وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، التقدير: والله! والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {مَنَنّا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية لا محل لها جواب القسم، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له، وانظر الآية رقم [٦٢] من سورة (يس). {عَلى مُوسى:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر الفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
وهذه الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. (هارون): معطوف على {مُوسى} مجرور مثله، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف