للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: جملة الشرط. وقيل: جملة الجواب. وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.

{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)}

الشرح: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} أي: إن يظفروا بكم، ويتمكنوا منكم. والمادة بمعنى: يجدونكم، ويصادفونكم. قال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٦١]: {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا،} وقال في سورة (البقرة) رقم [١٩١]: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}. هذا؛ والثقف في الأصل: الحذق في إدراك الشيء علما كان، أو عملا، فهو يتضمن معنى الغلبة. {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً:} يظهروا ما في قلوبهم من العداوة الشديدة لكم. ولا ينفعكم إلقاء المودة لهم. {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ} أي:

يمدوا إليكم أيديهم بالضرب، والقتل، وألسنتهم بالشتم والسب. {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} أي:

أحبوا، وتمنوا أن تكفروا؛ لتكونوا مثلهم، فلا تناصحوهم، فإنهم لا يناصحونكم. قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١١٨]: {لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً}.

قال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت: كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله، ثم قال:

{وَوَدُّوا} بلفظ الماضي؟ قلت: الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في باب الإعراب، فإن فيه نكتة: كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم، وارتدادكم. يعني: أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض، وردكم كفارا أسبق المضار عندهم، وأولها؛ لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم؛ لأنكم بذالون لها دونه، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أعز شيء عند صاحبه. انتهى. وخذ قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٨٩]: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {يَثْقَفُوكُمْ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والكاف مفعوله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {يَكُونُوا:} مضارع ناقص جواب الشرط مجزوم... إلخ، والواو اسمه، والألف للتفريق. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال منه، كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة: «نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا». {أَعْداءً:} خبر {يَكُونُوا،} والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍: «إذا» الفجائية، و {إِنْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>