وحسبك درهم: كفاك، وشيء حساب: كاف، ومنه:{عَطاءً حِساباً،} وأحسبه: أرضاه. وقال قتادة: حسابا؛ أي: كثيرا، يقال: أحسبت فلانا؛ أي: كثّرت له العطاء؛ حتى قال: حسبي.
وقالت امرأة من قشير:[الطويل]
ونقفي وليد الحيّ إن كان جائعا... ونحسبه إن كان ليس بجائع
المعنى: نقفي وليد الحي؛ أي: نؤثره بالقفية، وهي ما يؤثر به الضيف، والصبي. هذا؛ ومن الأول قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٦٤]: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: كافيك الله، ومثلها في (آل عمران) رقم [١٧٣]، وفي سورة (المائدة) رقم [١٠٤] وغير ذلك كثير. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
تنبيه: بعد أن ذكر الله حال الكفار في الآيات السابقة، وما أعد لهم من العقاب الشديد، والعذاب الأليم، ذكر حال المؤمنين في هذه الآيات، وما أعد لهم من النعيم المقيم في جنات النعيم، وذلك من باب المقابلة، وتلك سنة اقتضتها حكمة العليم الخبير، ورحمته في كتابه حيث لم يذكر التكذيب من الكافرين، والمنافقين؛ إلا ويذكر التصديق من المؤمنين. ولا يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر الكفر، ولا يذكر الجنة، ونعيمها؛ إلا ويذكر النار وجحيمها، ولا يذكر الرحمة؛ إلا ويذكر الغضب، والسخط؛ ليكون المؤمن راغبا، راهبا، خائفا، راجيا.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {لِلْمُتَّقِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ} تقدم على اسمها. {مَفازاً:} اسمها المؤخر. {حَدائِقَ:} بدل من: {مَفازاً} أو عطف بيان عليه.
{وَأَعْناباً:} معطوف عليه. {وَكَواعِبَ:} معطوف عليه أيضا. {أَتْراباً:} صفة (كواعب). {وَكَأْساً دِهاقاً:}
معطوفان على ما قبلهما، وهما: موصوف، وصفته. {لا:} نافية. {يَسْمَعُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {لَغْواً:} مفعول به. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): نافية مؤكدة للنفي قبلها. {كِذّاباً:} معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المستتر في خبر {إِنَّ} المحذوف المقدر. وقيل: حال من (المتقين). والأول أقوى. {جَزاءً:} مفعول مطلق، عامله محذوف، التقدير: جوزوا جزاء، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من واو الجماعة، وهي تحتاج إلى تقدير «قد» قبلها. {مِنْ رَبِّكَ:} متعلقان ب: {جَزاءً،} والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {عَطاءً:} بدل من {جَزاءً} بدل كل من كل. {حِساباً:} صفة {عَطاءً}.
الشرح:{رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} مالكهما، ومدبّر شؤونهما، ومبدعهما على غير مثال سبق، ومتصرف فيهما تصرف الملاك، فإن وجودهما، وانتظامهما على هذا النمط البديع الصنع