هذه الكواعب: أهي من نساء الدنيا؟ أم هي من الحور العين؟ سوى ما نقله القرطبي عن الضحاك قوله: كواعب العذارى، ثم قال: ومنه قول قيس بن عاصم المنقري: [الطويل]
وكم من حصان قد حوينا كريمة... ومن كاعب لم تدر ما البؤس معصر؟
أقول: والله أعلم: أنهن من الحور العين؛ اللاتي يخلقهن الله في الجنة بدليل قوله تعالى في سورة (الواقعة): {إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً} ومعنى {أَتْراباً} متساويات في السن، والشباب، بنات ثلاث وثلاثين سنة، واشتقاقه من التراب، فإنه يمسهن في وقت واحد.
وقيل: متآخيات، لا يتباغضن، ولا يتغايرن، ولا يتحاسدن، ومثلهن أزواجهن في السن؛ لأن التحاب بين الأقران أثبت، وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حدّ الصبا، وانحطت عن الكبر.
هذا؛ ويقال في النساء: أتراب، وفي الرجال: أقران. هذا؛ وأتراب جمع: ترب بكسر التاء، وسكون الراء، كحمل، وأحمال، وهو المساوي لك في العمر. قال الشاعر-وهو الشاهد رقم [١٣٩] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [البسيط]
لولا توقّع معترّ فأرضيه... ما كنت أوثر أترابا على ترب
{وَكَأْساً دِهاقاً:} قال الحسن، وقتادة، وابن زيد، وابن عباس-رضي الله عنهم-: مترعة، مملوءة، يقال: أدهقت الكأس؛ أي: ملأتها، وكأس دهاق؛ أي: ممتلئة. قال خداش بن زهير: [الوافر]
أتانا عامر يبغي قرانا... فأترعنا له كأسا دهاقا
وقال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وابن عباس أيضا: متتابعة، يتبع بعضها بعضا.
ومنه: ادّهقت الحجارة ادّهاقا، وهو شدة تلازبها، ودخول بعضها في بعض، فالمتتابع، كالمتداخل، وعن عكرمة أيضا، وزيد بن أسلم: صافية. قال الشاعر: [الوافر]
لأنت إلى الفؤاد أحبّ قربا... من الصّادي إلى كأس دهاق
هذا؛ والمراد بالكأس: الخمرة الموجودة فيها، انظر الآية رقم [٥] من سورة الدهر، ولم يذكر دهاق في غير هذه السورة. {لا يَسْمَعُونَ فِيها} أي: في الجنة. {لَغْواً:} اللغو: الباطل، وهو ما يلغى من الكلام، ويطرح. وقيل: هو القبيح من القول، والمعنى: ليس فيها لغو، فيسمع.
{وَلا كِذّاباً:} لا يكذّب بعضهم بعضا، ولا يسمعون كذبا. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الواقعة): {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً}.
{جَزاءً:} مجازاة، ومكافأة للمتقين. {مِنْ رَبِّكَ عَطاءً:} تكرما، وتفضلا من ربك بمقتضى وعده، ولكن لا يجب عليه شيء. وتوضيح هذا: أن ذلك تفضل، وعطاء في نفس الأمر، وجزاء مبني على الاستحقاق من حيث إنه تعالى وعده لأهل الطاعة. {حِساباً:} كافيا، وفي القاموس: