يرجمونه بالحجارة، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل، وقال: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} أي: فاشهدوا لي بذلك عند الله. وقيل: الخطاب لقومه، والمعنى: إني آمنت بربكم الذي خلقكم، فاسمعوا قولي، واعملوا بنصيحتي. ولما قال لهم ذلك، وأعلن إيمانه؛ وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: وطئوه بأرجلهم؛ حتى خرج قصبه من دبره.
وقيل: كانوا يرمونه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي؛ حتى أهلكوه، وقبره بأنطاكية.
روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: عليّ بن أبي طالب، وصاحب (يس) ومؤمن آل فرعون». وفي رواية ثانية: «ثلاثة ما كفروا بالله قطّ:
مؤمن آل ياسين، وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون». وهذا يناقض ما ذكرته في الآية رقم [٢٠] من أنه كان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة. وهذا التناقض موجود في الكشاف، وغيره. اللهم إلا أن يقال: إنه كان موحدا، وكان يخفي إيمانه، وتوحيده، فلما جاء رسل عيسى إلى المدينة، وسمع بهم؛ أظهر إيمانه، وتوحيده. والله أعلم بحقيقة ذلك.
الإعراب: {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {إِذاً:} حرف جواب، وجزاء مهمل لا عمل له. هذا؛ واعتباره ظرفا متعلقا ب: {مُبِينٍ،} والتنوين نائب عن الجملة التي تضاف «إذ» إليها، والتقدير: إني لفي ضلال مبين؛ إذا اتخذت آلهة من دون الله. فالمعنى يؤيد هذا الاعتبار، {لَفِي:} اللام: هي المزحلقة. (في ضلال): متعلقان بمحذوف خبر (إنّ).
{مُبِينٍ:} صفة: {ضَلالٍ،} والجملة الاسمية: {إِنِّي إِذاً..}. إلخ في محل نصب مقول القول.
{إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {آمَنْتُ:} فعل، وفاعل. {بِرَبِّكُمْ:}
متعلقان بالفعل قبلهما. والكاف في محل جر بالإضافة. من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية: {إِنِّي..}. إلخ مؤكدة للجملة قبلها. {فَاسْمَعُونِ:} الفاء: هي الفصيحة. (اسمعون): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة مفعوله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كنت آمنت بربكم؛ فاشهدوا على ذلك، واسمعوا.
{قِيلَ اُدْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)}
الشرح: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ:} قيل له ذلك لما قتلوه إكراما له بدخولها كسائر الشهداء. وفيه دليل على أن الجنة مخلوقة، وقال الحسن: لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله إليه، وهو في الجنة، ولا يموت إلا بفناء السموات، والأرض. وهذا لم يثبت بسند صحيح. {قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ:} تمنى أن يعلم قومه أن الله تعالى غفر له، وأكرمه؛ ليرغبوا في دين الرسل. فلما قتل