للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غضب الله عز وجل له، فعجل لهم العقوبة، فأمر جبريل عليه الصلاة والسّلام، فصاح بهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم.

{بِما غَفَرَ لِي رَبِّي..}. إلخ: انظر الإعراب يتضح لك المعنى. قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: نصح قومه في حياته بقوله: {يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} وبعد مماته بقوله:

{يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما..}. إلخ. وقال سفيان الثوري عن أبي مجلز: معنى {بِما غَفَرَ لِي رَبِّي} بإيماني بربي، وتصديقي المرسلين. ومقصوده: أنهم لو اطلعوا على ما حصل له من الثواب، والجزاء، والنعيم المقيم؛ لقادهم ذلك إلى اتباعه. فرحمه الله، ورضي عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه. قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحا، لا تلقاه غاشا، لما عاين ما عاين من كرامة الله تعالى؛ {قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ..}. إلخ.

وقال محمد بن إسحاق عن كعب الأحبار: أنه ذكر له (حبيب بن زيد) الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة، حين جعل يسأله عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يقول له: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فيقول له مسيلمة-لعنه الله-أتسمع هذا؛ ولا تسمع ذاك؟! فيقول: نعم. فجعل يقطعه عضوا عضوا، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات بين يديه، فقال كعب حين قيل له: اسمه حبيب: وكان والله صاحب يس اسمه: حبيب!.

وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار، وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به، والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته، والباغين له الغوائل، وهم كفرة عبدة أصنام. انتهى. قرطبي.

الإعراب: {قِيلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {اُدْخُلِ:} فعل أمر، وفاعله مستتر، تقديره:

«أنت». {الْجَنَّةَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله عند بعض النحاة، وفي مقدمتهم سيبويه، والمحققون وعلى رأسهم الأخفش ينصبونه على التوسع في الكلام بإسقاط الخافض، لا على الظرفية، فهو منتصب عندهم انتصاب المفعول به على السعة، بإجراء اللازم مجرى المتعدي.

وقل مثل ذلك في: (دخلت المدينة، ونزلت البلد، وسكنت الشام). والجملة الفعلية: {اُدْخُلِ الْجَنَّةَ} في محل رفع نائب فاعل {قِيلَ،} وهذا على قول من يجيز وقوع الجملة فاعلا، ويكون جاريا على القاعدة في بناء الفعل للمجهول، (يحذف الفاعل، ويقام المفعول به مقامه) وهذا لا غبار عليه. هذا؛ وقيل: نائب الفاعل ضمير مستتر، تقديره: «هو» يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، أو هو محذوف يدل عليه المقام، التقدير: وقيل قول. وقيل: الجار والمجرور المقدر ب‍: «له» في محل رفع نائب فاعل، والمعتمد الأول، وأيده ابن هشام في المغني؛ حيث قال: إن الجملة التي يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ، نحو:

<<  <  ج: ص:  >  >>