الشرح: فقد روى أبو اليسار عن جندب بن عبد الله: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث رهطا في جمادى الآخرة قبل وقعة بدر بشهرين، وقيل: في شهر رجب، وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث، فلمّا ذهب لينطلق؛ بكى صبابة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبعث مكانه عبد الله بن جحش، وكتب له كتابا، وأمره ألا يقرأ الكتاب؛ حتى يبلغ مكان كذا، وكذا، وقال: لا تكرهنّ أصحابك على المسير معك. فلمّا بلغ المكان؛ قرأ الكتاب، فاسترجع، وقال: سمعا، وطاعة لله، ولرسوله. قال:
فرجع رجلان، ومضى بقيّتهم معه، فلقوا ابن الحضرمي، فقتلوه، وأسروا رجلين كانا معه، هما عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت منهم نوفل بن عبد الله، وأخذوا ما كان معهم من عير، ثمّ قدموا بالعير، والأسيرين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال عبد الله بن جحش-رضي الله عنه-: اعزلوا ممّا غنمنا الخمس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ففعلوا، فكان أول خمس في الإسلام، ثمّ نزلت الآية في سورة (الأنفال) رقم [٤١] تؤيّد ذلك-وكانت تلك الحادثة قد وقعت في أوّل ليلة من شهر رجب، أو في آخر ليلة منه، والأول أشهر-فعيّر المشركون المسلمين بانتهاك حرمة الشّهر الحرام، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم لامهم على ذلك، فخاف المسلمون من ذلك، فنزلت الآية الكريمة تؤيّد ما فعله عبد الله، وأصحابه بالمشركين.
واختلف العلماء في نسخ هذه الآية، فالجمهور على نسخها، وأنّ قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٣٣]. واختلف في ناسخ هذه الآية، وقد قال عبد الله بن جحش-رضي الله عنه-لمّا عيّرهم المشركون بقتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام ما يلي:[الطويل]
تعدّون قتلا في الحرام عظيمة... وأعظم منه لو يرى الرّشد راشد
صدودكم عمّا يقول محمّد... وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله... لئلاّ يرى لله في البيت ساجد