فإنّا وإن عيّرتمونا بقتله... وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرميّ رماحنا... بنخلة لمّا أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان بيننا... ينازعه غلّ من القدّ عاند
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ:} تقدّم الكلام على هذا فيما مضى. {قِتالٍ فِيهِ} المعنى: يسألك أصحابك يا محمد عن القتال في الشهر الحرام، أيحل لهم القتال فيه؟ فقوله تعالى:{يَسْئَلُونَكَ} يدل على الاستفهام، كما قال امرؤ القيس في معلقته رقم [٨١]: [الطويل]
أصاح ترى برقا أريك وميضه... كلمع اليدين في حبيّ مكلّل
{قُلْ} لهم: القتال فيه أمره كبير، ووزره عظيم، ولكن هناك ما هو أعظم، وأخطر، وهو ({صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}) أي: الإعراض عن دين الله. هذا، و ({صَدٌّ}) مصدر: صد، يصد من باب:
قتل، وله مصدر آخر: صدود. قال تعالى:{رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} رقم [٦١] من سورة (النّساء) ومضارعه: يصدّ. {وَكُفْرٌ بِهِ:} بالله. {وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ} أي: ومنع، وصدّ عن بيت الله، كما فعل كفار قريش مع المسلمين. {وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ..}. إلخ، أي: إخراج الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه من المسجد الحرام {أَكْبَرُ} وأعظم عند الله ممّا فعلته سريّة عبد الله بن جحش، وأصحابه-رضي الله عنه-. من قتل ابن الحضرمي، وأسر رفيقيه... إلخ وكان ذلك على سبيل الخطأ، وعدم التحقّق من الشّهر الحرام، ولا تنس تعذيب المشركين للمستضعفين المسلمين، فإنّه أشدّ قبحا، وأشنع فعلا من قتل واحد في الشّهر الحرام. والعندية هنا مجاز؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان، ولا يحيط به.
{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ:} والشرك أكبر، وأعظم من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام. {وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ..}. إلخ؛ أي: هم مستمرون على عداوتكم، وقتالكم إلى أن يردّوكم إلى الشّرك؛ إن قدروا على ذلك، ولن يقدروا بتوفيق الله لكم، وحفظه، ورعايته لكم. والخطاب للمسلمين، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، كما يكون الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ومن المفرد إلى الجمع، وبالعكس. وانظر الآية رقم [١٣١].
{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ} قيّد الردّة بالموت عليها بعد أن يستتاب، فإذا لم يرجع؛ يقتل. قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«من بدّل دينه؛ فاقتلوه». والمعنى: من خرج من الإسلام إلى الكفر؛ فاقتلوه، وأما من خرج من كفر إلى كفر؛ فلا سلطان عليه لأحد. والكلام على المرتد وعلى مآله طويل في كتب الفقه، وإذا أخذنا بأحكام الشريعة في هذه الأيام؛ نجد الألوف بل الملايين من أبناء المسلمين مرتدّين، ولا حول ولا قوّة إلا بالله! هذا؛ وقرئ الفعل:
{يَرْتَدَّ} في سورة (المائدة) رقم [٥٤] بالفك، والإدغام.