للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتبار {الَّذِينَ} بدلا من قوله: {مَنْ أَنابَ} وعليه يكون {طُوبى} منصوبا بفعل محذوف، تقديره: جعل طوبى لهم، كما قيل: {طُوبى} خبر لمبتدإ محذوف، وعليهما فاللام في {لَهُمْ} للبيان مثل سقيا لك، ورعيا لك، أو هو منصوب على الحال، وعليه يكون {لَهُمْ} متعلقين ب‍:

{طُوبى} و {حُسْنُ مَآبٍ} انظر أوجه القراءات في الشرح، والإعراب يتغير تبعا لها.

{كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠)}

الشرح: {كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ} أي: إرسالك يا محمد إلى قومك كائن مثل إرسال الرسل السابقين إلى أممهم. {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ} أي: مضت أمم كثيرة قبل الأمة التي أرسلت إليها. {لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} أي: لتقرأ على أهل مكة القرآن الذي أنزل إليك بواسطة جبريل. {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ} أي: لا يؤمنون بالبليغ الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء.

{قُلْ هُوَ رَبِّي} أي: متولي أموري، وخالقي، ورازقي. {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ}: لا إله موجود في هذا الكون إلا الله. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}: اعتمدت ووثقت به. {وَإِلَيْهِ مَتابِ} أي: مرجعي ومصيري إلى الله تعالى.

قال مقاتل وابن جريج: نزلت الآية الكريمة في صلح الحديبية حين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصلح، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي-رضي الله عنه- «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم». فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة-يعنون: مسيلمة الكذاب-اكتب باسمك اللهم، وهكذا كان الجاهليون يكتبون، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي-كرم الله وجهه-: «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله». فقال مشركو قريش: لئن كنت رسول الله، ثم قاتلناك، وصددناك لقد ظلمناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فقال أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم: دعنا نقاتلهم، فقال: «لا، ولكن اكتب ما يريدون». فنزلت.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«اسجدوا للرحمن». قالوا: وما الرحمن؟ وقيل: سمع أبو جهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو في الحجر، ويقول: «يا الله يا رحمان». فقال: كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة، وهو يدعو إلهين، فنزلت هذه الآية، ونزل: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا..} .. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {كَذلِكَ} الكاف: حرف تشبيه وجر. (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير: أرسلناك في أمة إرسالا كائنا مثل إرسال الرسل من قبلك لأممهم، أو الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: الحال والشأن كما أرسلناك... إلخ، واللام

<<  <  ج: ص:  >  >>