للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعمل بالأركان، أي: الجوارح، وانظر زيادته ونقصه في الآية رقم [٢] من سورة (الأنفال).

{وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} أي: الأعمال الصالحات على اختلافها وتفاوت درجاتها ومراتبها. {طُوبى}:

اختلف العلماء في تفسير هذه الكلمة، فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-فرح لهم وقرة عين، وقال عكرمة: نعمى لهم، وقال الزجاج: طوبى من الطيب، وقيل: تأويلها الحال المستطابة لهم، وهو كل ما استطابه هؤلاء في الجنة، من بقاء بلا فناء، وعز بلا ذل، وغنى بلا فقر، وصحة بلا سقم، وقيل: غير ذلك، وقيل: هي شجرة في الجنة، ويؤيده ما رواه سهل بن سعد-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها».

متفق عليه، وفي رواية عن أبي سعيد الخدري تشبه رواية سهل، وزاد البخاري في رواية عن أبي هريرة: «واقرءوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ»}. و {طُوبى} مصدر كبشرى ورجعى وزلفى، والأصل «طيبى» فقلبت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها، كما قالوا: موسر وموقن، والأصل ميسر وميقن.

قال الأزهري: طوبى لك، وطوباك لحن، لا تقوله العرب، وهو قول أكثر النحويين، وقال الأخفش: من العرب من يضيفها، فيقول: طوباك، وقال الشهاب الخفاجي ما حاصله:

إن اللام مقدرة في طوباك، والمقدر في حكم الملفوظ، فلا يعد خطأ، وفي مغني اللبيب لابن المعتز قوله: [البسيط]

يا نفس صبرا، لعلّ الخير عقباك... خانتك بعد لذيذ العيش عيناك

مرّت بنا سحرا طير، فقلت لها... طوباك يا ليتني إيّاك طوباك

{وَحُسْنُ مَآبٍ}: مرجع، يقرأ بضم النون وفتحها بسبب عطفه على ما قبله، والإضافة ل‍: {مَآبٍ} قراءتان سبعيتان، ويقرأ شاذا بفتح النون، ورفع (مآب) و (حسن) على هذا فعل ماض، نقلت ضمة سينه إلى الحاء، وهذا جائز في فعل إذا كان للمدح أو الذم. انتهى. عكبري.

تنبيه: عطف العمل الصالح على الإيمان يسمى في فن البديع احتراسا، وهو يفيد: أن الإيمان وحدة قد لا يكفي بدون عمل صالح، ومن قرأ القرآن بتدبر وتفهم يجد العمل الصالح معطوفا على الإيمان في كثير من الآيات، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٢] من سورة (الحجر) باختصار، وما ذكرته في رسالة الحج والحجاج بإسهاب وإطناب، وإلى الله المرجع والمآب.

الإعراب: {الَّذِينَ}: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلته، وجملة: {وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {طُوبى}: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف. {لَهُمْ}: متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ وساغ الابتداء بها لما فيها من معنى الدعاء، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة الاسمية: {الَّذِينَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، هذا؛ وأجيز

<<  <  ج: ص:  >  >>