{شاهِداً عَلَيْكُمْ} أي: يشهد بالتبليغ، وإيمان من آمن منكم، وكفر من كفر. وخذ قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٤١]: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} انظر شرحها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ وفي قوله تعالى:{أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ} التفات من الغيبة إلى الخطاب، ولو جرى على الأصل؛ لقال: إنا أرسلنا إليهم، انظر الالتفات في سورة (الملك) رقم [٢٠].
{كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً:} يعنى موسى بن عمران، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وإنما خص فرعون، وموسى بالذكر من بين سائر الأمم، والرسل؛ لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم آذاه أهل مكة، واستخفوا به؛ لأنه ولد فيهم كما أن فرعون ازدرى بموسى، وآذاه؛ لأنه رباه في حجره وبلاطه، لذا قال له، كما حكى الله عنه في سورة (الشعراء) رقم [١٨]: {قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}.
الإعراب:{إِنّا:}(إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَرْسَلْنا:} فعل، وفاعل. {إِلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {رَسُولاً:}
مفعول به. {شاهِداً:} صفة له. {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {شاهِداً،} وجملة:
{أَرْسَلْنا..}. إلخ في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية:{إِنّا أَرْسَلْنا..}. إلخ مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها. {كَما:} الكاف: حرف تشبيه، وجر. (ما): مصدرية. {أَرْسَلْنا:} فعل، وفاعل. {إِلى فِرْعَوْنَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {رَسُولاً:} مفعول به، و (ما) والفعل {أَرْسَلْنا} في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا، التقدير: إنا أرسلنا إليكم رسولا... إرسالا كائنا مثل إرسالنا إلى فرعون رسولا. وهذا ليس مذهب سيبويه، وإنما مذهبه في مثل هذا التركيب أن يكون منصوبا على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل المتقدم. وإنما أحوج سيبويه إلى هذا؛ لأن حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه لا يجوز إلا في مواضع محصورة، وليس هذا منها.
الشرح:{فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ:} إنما عرفه لتقديم ذكره، وهذه (أل) العهدية، والعرب إذا قدمت اسما، ثم حكت عنه ثانيا، أتوا به معرفا، أو أتوا بضميره لئلا يلتبس بغيره، نحو رأيت رجلا، فأكرمت الرجل، أو فأكرمته، ولو قلت: فأكرمت رجلا لتوهم: أنه غير الأول، وسيأتي تحقيق هذا في سورة (الشرح) إن شاء الله تعالى. وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«لن يغلب عسر يسرين». انتهى. سمين.