الشرح:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا:} قال ابن زيد: المراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة في قريش في جاهليتهم. وهذا لا أرتضيه، ولا تؤيده الايات قبله، وبعده. وقال ابن عباس، والضحاك: إنّ المراد به المشركون؛ أي: كانوا في غفلة من عواقب أمورهم. وقال أكثر المفسرين: إنّ المراد به البرّ، والفاجر. وهو اختيار الطبري. انتهى. قرطبي.
أقول: وهو المعتمد؛ لأنّ الاخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة، والدنيا كالمنام، قال الإمام علي-رضي الله عنه-: الناس نيام؛ إذا ماتوا؛ انتبهوا. أقول: ويؤيده قوله تعالى في سورة (الروم): {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ}. {فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ} أي: الذي كان على قلبك وسمعك وبصرك في الدنيا، والمراد: ما كان من أثر الغفلة، فهو استعارة؛ إذ الغطاء الحاجب لأمور المعاد الناتج من الغفلة، والانهماك في المحسوسات، والإلف بها، وقصور النظر عليها. {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ:} قوي ثابت نافذ، فقد جعلت الغفلة كأنها غطاء غطّى بها جسده كله، أو غشاوة غطّى بها عينيه، فهو لا يبصر، فإذا كان يوم القيامة؛ تيقّظ، وزالت عنه الغفلة، وغطاؤها، فيبصر ما لم يبصره من الحق، ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته حديدا لتيقظه. هذا؛ وقرئ بكسر تاء الفاعل، والكافات، وذلك على خطاب النفس، وهو يرجح: أن المراد البر، والفاجر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{لَقَدْ:} اللام: لام الابتداء، أو هي واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير:
والله. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {كُنْتَ:} ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {فِي غَفْلَةٍ:} متعلقان بمحذوف خبر (كان). {مِنْ هذا:} متعلقان بمحذوف خبر ثان ل: (كان) وهو أقوى من تعليقهما بمحذوف صفة: {غَفْلَةٍ،} والجملة الفعلية لا محلّ لها على الوجهين المعتبرين في اللام، والكلام في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: يقال له: لقد، أو والله لقد... إلخ، والكلام كلّه مستأنف، لا محلّ له. (كشفنا): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {عَنْكَ:} متعلقان بما قبلهما. {غِطاءَكَ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة. (بصرك): مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة. {الْيَوْمَ:}
ظرف زمان متعلق بما بعده. {حَدِيدٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، وفيها معنى التعليل. هذا؛ وجاز تعليق الظرف ب:{حَدِيدٌ}. وهو جامد؛ لأنه بمعنى قوي ثابت، ومثل هذه الاية قول الشاعر، وهو الشاهد رقم [٧٩٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٤٩٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل]