للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفعوله، والفاعل يعود إلى يوسف أو إلى الملك والجملة الفعلية لا محل لها على اعتبار (لمّا) حرفا، وهي في محل جر بإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا. {قالَ}: ماض، والفاعل يعود إلى {الْمَلِكُ}. {إِنَّكَ}: حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {الْيَوْمَ}: ظرف زمان متعلق بما بعده. {لَدَيْنا}: ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المنقلبة ياء؛ لاتصاله ب‍ (نا) التي هي ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وهو متعلق بما بعده أيضا، {مَكِينٌ}: خبر إن. {أَمِينٌ}: خبر ثان، والجملة الاسمية: {إِنَّكَ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ..}. إلخ جواب لما، لا محل لها، و (لمّا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.

{قالَ اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)}

الشرح: فلما جاء يوسف عند الملك، وقال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا..}. إلخ بعد أن شرح له يوسف رؤياه، قال له الملك: فماذا ترى أن نفعل؟ قال: اجمع الطعام، وازرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة، وادخر الطعام في سنبله وقصبه؛ فإنه أبقى له، فيكون ذلك القصب والسنبل علفا للدواب، وتأمر الناس أن يرفعوا الخمس من زرعهم أيضا، فيكفيك الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، وتأتيك سائر الخلق للميرة من سائر النواحي، ويجتمع عندك من الكنوز والأموال ما لم يجتمع لأحد من قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا، ومن يجمعه، ويبيعه لي ويكفيني العمل فيه؟ فعند ذلك قال يوسف عليه السّلام: {اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ} أي:

ولني أمرها، وحفظها، و {الْأَرْضِ} أرض مصر، قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: مصر خزانة الأرض، أما سمعت إلى قوله: {اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ}. {إِنِّي حَفِيظٌ} أي: للخزائن ممن لا يستحقها. {عَلِيمٌ}: بوجوه التصرف فيها، فقال له الملك: ومن أحق بذلك منك؟! وولاه ذلك، وعن مجاهد: أن الملك أسلم على يده.

فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أخي يوسف، لو لم يقل: اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكنه أخّر ذلك سنة». بقي أن تعرف كيف طلب يوسف عليه السّلام الإمارة، مع النهي عنها؟! والجواب: إنما يكره طلبها إذا لم يتعين على الإنسان ذلك، فإذا تعين طلبها وجب ذلك عليه، ولا كراهية فيه، فأما يوسف عليه الصلاة والسّلام فكان عليه طلب الإمارة؛ لأنه مرسل من الله تعالى، والرسول أعلم بمصالح الخلق من غيره، وإذا كان مكلفا برعاية المصالح، ولا يمكنه ذلك إلا بطلب الإمارة؛ وجب عليه طلبها، وفيه دليل على جواز طلب التولية لكل إنسان إذا عرف من نفسه القدرة على إقامة الحق، وعدم المداهنة للكافر، والفاجر، بل يؤجر على هذه التولية ما دامت نيته حسنة مع الإخلاص في العمل لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>