فأصل الكلام: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها، ومثل الآية قوله تعالى في سورة (النساء){مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ..}. إلخ، وأيضا قوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٦٤]: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ}.
{إِلاّ:} حرف حصر. {وارِدُها:} خبر المبتدأ المقدر، و (ها): في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية جواب القسم الذي رأيت تقديره، والقسم، وجوابه كلام مستأنف، لا محل له. {كانَ:} ماض ناقص، واسمه يعود إلى الورود المفهوم من واردها. {عَلى رَبِّكَ:} متعلقان ب: {كانَ} أو ب: {مَقْضِيًّا} بعدهما، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {حَتْماً مَقْضِيًّا:} خبر ل {كانَ،} وجملة: {كانَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. هذا؛ وابن هشام يعتبر الواو عاطفة، والجملة الاسمية:{وَإِنْ مِنْكُمْ..}. إلخ معطوفة على جملة:{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ..}. إلخ فإنها وما قبلها أجوبة لقوله تعالى:{فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ..}. إلخ، والأحاديث التي ذكرتها تؤيد ما ذكرته من إعراب، والله الموفق، وإليه المرجع، والمآب يوم الحساب.
الشرح:{ثُمَّ نُنَجِّي..}. إلخ: لقد رأيت في الآية السابقة على أنه قد استدل بهذه الآية على أنّ الورود: الدخول. هذا؛ ويقرأ:{ثُمَّ} بفتح الثاء على أنها ظرف مكان بمعنى: هناك، وبضمها على أنه حرف عطف. وانظر شرح ذلك في الآية رقم [٥٣] من سورة (النحل). وانظر شرح (نذر) في الآية رقم [٣] من سورة (الحجر). وانظر التعبير عن الكافرين بالظالمين، ونحوه في الآية رقم [١٣] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام، وشرح (التقوى) في الآية رقم [٢] من سورة (النحل)، وشرح (جثيا) في الآية رقم [٦٨].
تنبيه: قالت المعتزلة: في الآية دليل على صحة مذهبهم في أن صاحب الكبيرة، والفاسق يخلد في النار؛ بدليل: أن الله بين: أن الكل يردونها، ثم بين صفة من ينجو منها، وهم المتقون، والفاسق لا يكون متقيا فيبقى في النار أبدا. وأجيب عنه بأن المتقي هو الذي يتقي الشرك يقول: لا إله إلا الله، وقد وردت أحاديث شريفة تدل على إخراج المؤمن الموحد من النار، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير. ويخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله، وفي قلبه وزن برّة من خير. ويخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله، وفي قلبه وزن ذرّة من خير». وفي رواية «من إيمان». أخرجه البخاري.