للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا جلست أنا وأنت بمجلس... قالوا مسيلمة وهذا أشعب

وفي الايتين الكريمتين أكبر رادع، وأعظم زاجر للذين يعدون، ولا يفون، ويقولون، ولا يفعلون. ولولا الإطالة عليك؛ لذكرت لك الكثير من الأحاديث النبوية، والشواهد الشعرية.

الإعراب: {كَبُرَ:} فعل ماض. {مَقْتاً:} تمييز. {عِنْدَ:} ظرف مكان متعلق ب‍: {مَقْتاً} لأنه مصدر، أو بمحذوف صفة له. و {عِنْدَ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {تَقُولُوا:} مضارع منصوب ب‍: {أَنْ،} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {ما لا تَفْعَلُونَ} إعرابه مثل إعراب ما قبله.

و {أَنْ تَقُولُوا} في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر، والجملة الفعلية: {كَبُرَ مَقْتاً..}.

إلخ في محل رفع خبر مقدم، وعليه ففاعل {كَبُرَ} ضمير يفسره التمييز، ويجوز أن يكون المصدر المؤول في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو قولكم ما لا تفعلون، ويكون فاعل {كَبُرَ} ضميرا مميزا، التقدير: كبر المقت مقتا. وحسن أن تكون جملة: {كَبُرَ مَقْتاً} خبرا مقدما للقول على الوجه الأول؛ لأنه بمعنى الذم، تقديره: قولكم ما لا تفعلون مذموم، وقامت الجملة الفعلية مقامه، كما تقول: زيد نعم رجلا، فترفع زيدا، بالابتداء، وما بعده خبره، وليس فيه ما يعود عليه، لكنه جاز، وحسن؛ لأن معناه المدح، فكأنه قال: زيد الممدوح، وقام «نعم رجلا» مقام: «ممدوح» فافهمه. انتهى. مكي بتصرف كبير مني.

{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)}

الشرح: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} أي: يحب المجاهدين الذين يصفّون أنفسهم عند القتال صفا، ويثبتون في أماكنهم عند لقاء العدو. {كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ} أي: كأنهم في تراصهم، وثبوتهم في المعركة بناء قد رصّ بعضه إلى بعض، وألصق، وأحكم حتى صار شيئا واحدا. وقال القرطبي: ومعنى الاية: أن الله تعالى يحب من يثبت في الجهاد في سبيل الله، ويلزم مكانه كثبوت البناء. وهذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم، لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان. هذا؛ وفي الاية تشبيه مرسل مفصل- {كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ} -فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل، والقوم إذا صفّوا للصّلاة، والقوم إذا صفّوا للقتال». أخرجه ابن ماجه، والإمام أحمد، ومعنى ضحكه تعالى شأنه: رحمته ورضوانه، وهذه الاية ترغّب المؤمنين في الجهاد، ومحاربة الكفار. وخذ ما يلي:

فعن سهل بن سعد-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا، وما عليها، والروحة

<<  <  ج: ص:  >  >>