للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ (١٨٧)}

الشرح: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ} أي: جانبا من السماء، وقطعة منه، فننظر إليه، كما قال تعالى في سورة (الطور): {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ}. وقيل: أرادوا نزول العذاب، وهو مبالغة في التكذيب. قال أبو عبيدة: الكسف جمع: كسفة، مثل: سدر، وسدرة، وهو بتسكين السين، وقراءة حفص بفتح السين، جمع: كسفة أيضا، وهي القطعة، والجانب، مثل كسرة، وكسر، ويقال: الكسف، والكسفة واحد. وقال الأخفش: من قرأ:

«(كسفا)» جعله واحدا، ومن قرأ (كسفا) جعله جمعا. وقال الهروي: من قرأ: «(كسفا)» على التوحيد، فجمعه: أكساف، وكسوف، كأنه قال: أو تسقطه علينا طبقا واحدا، وهو من: كسفت الشيء كسفا: إذا غطيته انتهى. قرطبي. والذي طلبه قوم شعيب في هذه الآية طلبه قوم محمد صلّى الله عليه وسلّم في الآية رقم [٩٢] من سورة (الإسراء)، وانظر الآية رقم [٤٨] من سورة (الروم). هذا؛ والسماء يذكر، ويؤنث، والسماء: كل ما علاك، فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت: سماء. والسماء:

المطر، يقال: ما زلنا نطأ السماء؛ حتى أتيناكم. قال معاوية بن مالك: [الوافر]

إذا نزل السّماء بأرض قوم... رعيناه، وإن كانوا غضابا

أراد بالسماء المطر، ثم أعاد الضمير عليه في رعيناه بمعنى النبات، ويسمى هذا في فن البديع بالاستخدام، وأصل سماء: سماو، فيقال في إعلاله: تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ولم يعتد بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية همزة، وجمع السماء: السموات، وهو كثير في القرآن الكريم، ولا يذكرها الله بلفظ الجمع، إلا ويذكر معها الأرض، وكثيرا ما يخصهما الله بالذكر دون مصنوعاته؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، ويجمع السموات دون الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة في الصفات، والآثار، والحركات، ويقدمها بالإفراد والجمع على الأرض لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {فَأَسْقِطْ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كنت صادقا فيما تدعيه، فأسقط وقد دل على هذا الشرط ما بعده. (أسقط): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {عَلَيْنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {كِسَفاً:} مفعول به.

{مِنَ السَّماءِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة: {كِسَفاً}. {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} انظر إعراب هذه الجملة في الآية رقم [١٥٤]. هذا؛ والآية بكاملها في محل نصب مقول القول؛ لأنها من قول أصحاب الأيكة، كما هو واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>