فيكون مثل (ما) يرتفع بالفعل، أي: كما تقول: هنأكم ما كنتم تعملون، أو هنأكم الأكل والشرب، فعلى الأول الباء زائدة في الفاعل، وعلى الثاني الباء أصلية. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {هَنِيئاً،} و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية. {أَسْلَفْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء أسلفتموه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بإسلافكم، وهو ضعيف كما ترى. {فِي الْأَيّامِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف، الذي رأيت تقديره. {الْخالِيَةِ:} صفة {الْأَيّامِ}.
الشرح:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ:} لما ذكر الله حال أهل السعادة، وهم الذين آمنوا، وعملوا الصالحات في الآيات السابقة؛ ذكر في هذه الآيات أهل الشقاوة، وهم الذين كفروا، وعملوا المعاصي، والمنكرات، وهذا من باب المقابلة، وقد جرت سنة الله في كتابه: أنه لم يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر الكفر، ولم يذكر الجنة؛ إلا ويذكر النار، ولم يذكر الإيمان، وأهله، ومآلهم؛ إلا ويذكر الكفر، وأهله، ومآلهم؛ ليكون المؤمن راغبا راهبا. هذا؛ وذكر القرطبي نقلا عن الضحاك: أن آيات أهل السعادة نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي.
وقاله مقاتل، وأن آيات أهل الشقاوة نزلت في أخيه الأسود بن عبد الأسد، ويكون الأخوان سببا في نزول هذه الآيات، والمعنى يعم جميع أهل السعادة، وأهل الشقاوة بلا ريب، لأن خصوص السبب، لا يمنع التعميم، وقد ذكرته مرارا.
وفي زيني دحلان: وعبد الله أول من يأخذ بيمينه، والأسود أول من يأخذه بشماله، وهو أول قتيل يوم بدر من المشركين. {أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ:} قيل: تكون يده اليسرى خلف ظهره، ثم يعطى كتابه بها، قال تعالى في سورة (الانشقاق): {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ}. {فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ} أي: يقول إذا رأى قبائح أعماله: يا ليتني لم أعط كتابي. قال المفسرون: وذلك لما يحصل له من الخجل، والافتضاح، فيتمنى عندئذ: أنه لم يعط كتاب أعماله، ويندم أشد الندم، ويتحسر أعظم التحسر.
الإعراب:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ:} الإعراب مثله في الآية رقم [١٩] بلا فارق. {يا لَيْتَنِي:}
(يا): حرف تنبيه، وقيل: أداة نداء، والمنادى محذوف، تقديره: يا هؤلاء ونحوه، والأول أقوى في مثل هذه الآية. (ليتني): حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسمها.
{لَمْ:} حرف نفي وقلب وجزم. {أُوتَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم ب: {لَمْ} وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، ونائب الفاعل مستتر فيه وجوبا،