للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)}

الشرح: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أي: أخذه الجبابرة، والظلمة، وهو كقوله تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام الآية رقم [١٠٢]: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} والبطش: الأخذ بقوة، وعنف، وبطشت اليد: إذا عملت، فهي باطشة. قال عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته رقم [١٠٧]: [الوافر]

لنا الدّنيا ومن أضحى عليها... ونبطش حين نبطش قادرينا

{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} أي: يخلقهم ابتداء، ثم يعيدهم، بعد أن صيرهم ترابا. دل باقتداره على الإبداء، والإعادة على شدة بطشه. أو أوعد الكفرة بأنه يعيدهم، كما بدأهم؛ ليبطش بهم؛ إذ لم يشكروا نعمة الإبداء، وكذبوا بالإعادة. وفي سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} والمعروف: أن البدء يكون من نطفة مذرة، والإعادة تكون يوم القيامة بعد موته، وإهلاكه، وتناثر جميع أجزائه.

{وَهُوَ الْغَفُورُ} أي: الساتر للعيوب، العافي عن الذنوب، لا يفضح عباده المؤمنين في الدنيا، ولا في الآخرة. {الْوَدُودُ} المحبّ لأوليائه المؤمنين المطيعين، كما يحب أحدنا أخاه بالبشرى، والمحبة. وقيل: هو المتودد إلى أوليائه بالعفو، والمغفرة. هذا؛ وحكى المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي: أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر: [المتقارب]

وأركب في الرّوع عريانة... ذلول الجناح لقاحا ودودا

أي: لا ولد لها تحن إليه. فيصير معنى الآية: إنه سبحانه وتعالى يغفر لعباده المؤمنين، وليس له ولد يغفر لهم من أجله. {ذُو الْعَرْشِ:} صاحب العرش، وخالقه، ومالكه، ومتصرف فيه.

{الْمَجِيدُ:} يقرأ بالجر صفة للعرش، ويقرأ بالرفع على أنه خبر للمبتدأ؛ الذي هو الضمير. واختاره أبو عبيد، وأبو حاتم؛ لأن المجد نهاية الكرم، والفضل، و {الْمَجِيدُ} اسم من أسماء الله الحسنى، وهو من صفات التعالي، والجلال، والعظمة، وذلك لا يليق إلا بالله تعالى المتعالي عن صفات النقصان، المتصف بصفات الكمال. وانظر شرح {الْعَرْشِ} في الآية رقم [١٧] من سورة (الحاقة).

{فَعّالٌ لِما يُرِيدُ:} يعني: إنه لا يعجزه شيء، ولا يمتنع منه شيء طلبه. وقيل: {فَعّالٌ لِما يُرِيدُ} لا يعترض عليه معترض، ولا يغلبه غالب، فهو يدخل أولياءه الجنة برحمته، لا يمنعه من ذلك مانع، ويدخل أعداءه النار بعدله، لا ينصرهم منه ناصر، وصيغة «فعّال» للمبالغة، كما هي معروفة، وهذه الآية دلت على أن جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، لا كما يقول المعتزلة: إن العبد يخلق

<<  <  ج: ص:  >  >>