للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا، وقدم المفعول في الجملتين للاهتمام، وتشويق السّامع إلى ما يلقى إليه.

{وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)}

الشرح: {وَقالُوا:} أي: اليهود. {قُلُوبُنا غُلْفٌ:} جمع: أغلف، أي: مغطاة بأغطية، فلا تعي ما تقول، ويريدون: أنها خلقت مغشاة بأغطية خلقيّة، فهي لا تعي ما جئت به، وهو مستعار من «الأغلف» الذي لم يختن، وقرئ بسكون اللام، وضمّها مثل «رسل»، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي قلوبنا ممتلئة علما لا تحتاج إلى علم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولا غيره. والقول الأول مثل قوله تعالى في سورة (النّساء) رقم [١٥٥]: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً،} وأيضا قوله تعالى في سورة (فصلت) رقم [٥]: {وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ}. {بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ:} طردهم، وأبعدهم من رحمته. وأصل اللّعن في كلام العرب: الطّرد، والإبعاد، ويقال للذّئب: لعين، وللرّجل الطّريد: لعين، وقال الشّماخ: [الوافر]

ذعرت به القطا ونفيت عنه... مقام الذّئب كالرّجل اللّعين

ووجه الكلام: مقام الذئب اللّعين كالرّجل. فالمعنى: أبعدهم الله من رحمته.

وقيل: أبعدهم الله من توفيقه، وهدايته. وقيل: من كلّ خير، وهذا عام، انظر الآية [١٦١] الآتية. {فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ:} مثل قوله تعالى: {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً،} فقال بعضهم: فقليل من يؤمن منهم، وقيل: المعنى: فقليل إيمانهم؛ بمعنى: أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد، والثواب، والعقاب، ولكنّه إيمان لا ينفعهم؛ لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلّى الله عليه وسلّم.

الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. ({قالُوا}): فعل، وفاعل، والألف للتفريق.

{قُلُوبُنا:} مبتدأ و (نا) في محل جر بالإضافة. {غُلْفٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، والجملة الفعلية ({قالُوا}) معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة فلا محل لها على الوجهين، والاستئناف أقوى. {بَلْ:} حرف عطف، وإضراب، تبتدأ بعده الجمل.

{لَعَنَهُمُ:} فعل ماض والهاء مفعول به. {اللهُ:} فاعله. {بِكُفْرِهِمْ:} متعلقان بما قبلهما، والباء للسببية، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها، وجوز اعتبارها مستأنفة.

{فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ:} الفاء: حرف تعليل لطردهم من رحمة الله وها أنا ذا أنقل لك باختصار ما ذكره ابن هشام في مغني اللبيب في إعراب هذه الجملة، وأمثالها، فقال رحمه الله تعالى: {ما} تحتمل لثلاثة أوجه:

<<  <  ج: ص:  >  >>