للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤)}

الشرح: {اِذْهَبا..}. إلخ: فقد حذف الله المذهوب به {بِآياتِي} هنا، وذكره في الآية السابقة، بينما حذف في الآية السابقة المذهوب إليه، وهو فرعون، فقد حذف من كل واحد ما أثبته في الآخر، وهذا يسمى في فن البلاغة احتباكا. هذا؛ وانظر طغى في الآية رقم [٢٤] أما فرعون فقد قال المسعودي: ولا يعرف لفرعون تفسير في العربية، وظاهر كلام الجوهري: أنه مشتق من معنى العتو، فإنه قال: والفراعنة: العتاة، وقد تفرعن، وهو ذو فرعنة؛ أي: دهاء، ومكر، وفرعون لقب لمن ملك العمالقة في مصر، ككسرى، وقيصر لملكي الفرس، والروم، وكان فرعون موسى عليه السّلام مصعب بن ريان. وقيل: ابنه الوليد من بقايا عاد، وفرعون يوسف ريان بن الوليد، وبينهما أكثر من أربعمائة سنة.

وكان ملك فرعون أربعمائة سنة، وعاش ستمائة وعشرين سنة، ولم ير مكروها قط، ولو حصل له في تلك المدة جوع يوم، أو وجع يوم، أو حمّى يوم لما ادعى الربوبية.

هذا؛ وقد كان هارون في مصر، ولم يكن حاضرا في مجلس المناجاة، وإنما جمعهما في هذا الخطاب من باب تغليب الحاضر على الغائب، وقد ذكر: أن الله في ذلك الوقت أرسل جبريل بالرسالة إلى هارون، فيكون الخطاب إليهما في وقت واحد، وهما في مكانين متباعدين، والله أعلم.

{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً:} فيه دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون ذلك باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، واختلف في معنى اللين، فقالت فرقة: كنياه، وكانت كنيته أبو العباس، أو أبو الوليد، أو أبو مرة، فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة، وقد كنى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ناسا من الكافرين، وناسا من المنافقين. وقال عليه الصلاة والسّلام: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».

وقيل: القول اللين مثل: {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة. وقيل: عداه شبابا لا يهرم بعده، وملكا لا يزول إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعم، والمشرب، والمنكح إلى حين موته، فلما أتاه موسى ووعده بذلك أعجبه، وكان لا يقطع أمرا دون هامان، وكان غائبا، فلما قدم؛ خبره بالذي دعاه إليه موسى. وقال: أردت أن أقبل منه. فقال له هامان، كنت أرى أن لك رأيا، وعقلا، أنت رب تريد أن تكون مربوبا، وأنت تعبد تريد أن تعبد غيرك؟! فقال فرعون: ما قلته صواب! وغلبه على رأيه.

{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} أي: يتعظ، ويخاف، ويسلم. فإن قيل: كيف قال: لعله يتذكر، وقد سبق في علمه: أنه لا يتذكر، ولا يسلم، فالجواب: معناه: اذهبا على رجاء منكما،

<<  <  ج: ص:  >  >>