للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم أحق بذلك؛ لا سيما من قرأ القرآن منهم، واطلع على أحوال الأمم السابقة، وما جرى لهم من رسلهم، وكيف نكل الله بهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين، وما يتذكر إلا أولو الألباب.

الإعراب: {وَامْتازُوا:} الواو: حرف عطف. (امتازوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بما قبله. {أَيُّهَا:} منادى نكرة مقصودة، حذف منها أداة النداء، مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء المحذوفة، و (ها):

حرف تنبيه لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه. {الْمُجْرِمُونَ:} صفة: (أيّ) لأنه مشتق. ويجوز اعتباره بدلا من (أيّ)، أو عطف بيان عليه، فهو مرفوع تبعا للفظ، والآية بكاملها في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: فيقال للكافرين: امتازوا، وهذه الجملة معطوفة على ما يقال لأصحاب الجنة، وما أعد لهم من النعيم المقيم، والخير العميم، وذلك من باب المقارنة، والمقابلة؛ التي رأيتها في الآية رقم [٥٥].

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)}

الشرح: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي..}. إلخ: العهد: الوصية، وعهد إليه: إذا وصاه، وعهد الله إليهم: ما ركزه فيهم من الأدلة العقلية، والحجج السمعية، الآمرة بعبادته، الزاجرة عن عبادة غيره. واعتبر طاعة الشيطان عبادة له؛ لأنه الآمر بالكفر، وعبادة غير الله تعالى. هذا؛ وهناك عهد قديم أزلي أخذه على بني آدم؛ وهم في عالم الذر أن يعبدوه، ولا يشركوا به. خذ قوله تعالى في الآية رقم [١٧٢] من سورة (الأعراف): {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} وهذا الكلام من جملة ما يقال للكافرين يوم القيامة على سبيل التقريع، والتوبيخ، والإلزام للحجة.

هذا؛ و (عدو) ضد الصديق، وهو على وزن فعول بمعنى فاعل، مثل: صبور، وشكور، وما كان من هذا الوزن يستوي فيه المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، إلا لفظا واحدا جاء نادرا، قالوا: هذه عدوّة الله. قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} فقد عبر به عن مفرد، وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ} فقد عبر به عن جمع، ومثل ذلك صديق. وجمع عدو: أعداء، وأعاد، وعدات، وعدى. وقيل: أعاد جمع: أعداء، فيكون جمع الجمع. وفي «القاموس المحيط»: والعدا (بالضم، والكسر) اسم الجمع. هذا، وسمي العدو عدوا؛ لعدوه عليك عند أول فرصة تسنح له للإيقاع بك، والقضاء عليك، كما سمي الصديق صديقا؛ لصدقه فيما يدعيه لك من الألفة، والمودة، والمحبة. هذا؛ والعبادة: غاية التذلّل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى؛ ولذا يحرم السجود لغير الله تعالى.

وقيل: العبودية أربعة: الوفاء بالعهود، والرضا بالموجود، والحفظ للحدود، والصبر على

<<  <  ج: ص:  >  >>