للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ}. ومنها الحال في هذه الآية، كما رأيت، وحال محكية، وهي الحال الماضية، نحو: جاء زيد أمس راكبا. وهناك الحال الموطئة، وهي التي تذكر توطئة للصفة بعدها، بمعنى: أن المقصود: الصفة، وهذا كثير في القرآن الكريم، خذ قوله تعالى: {وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ}.

هذا؛ والحال أيضا على نوعين: إما مؤسسة، وإما مؤكدة. فالمؤسسة هي التي لا يستفاد معناها بدونها، نحو جاء زيد ضاحكا ونحوه، وأكثر ما تأتي الحال من هذا النوع مبينة هيئة فاعل، أو مفعول. والمؤكدة، وهي التي يستفاد معناها بدونها، وإنما يؤتى بها للتوكيد، وهذه ثلاثة أنواع.

الأول: ما يؤتى بها لتوكيد عاملها، وهي التي توافقه معنى فقط، أو معنى، ولفظا، فالأول كقوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها،} وقوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} الأولى من سورة (النمل)، والثانية مذكورة في سورة (الشعراء) وغيرها. والثاني نحو قوله تعالى:

{وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً}.

النوع الثاني: ما يؤتى بها لتوكيد صاحبها، نحو قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} رقم [٩٩] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

النوع الثالث: ما يؤتى بها لتوكيد مضمون جملة معقودة من اسمين معرفتين جامدين، نحو قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٩١]: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ} وقولك: (هو الحقّ صريحا، أو بيّنا) وقول سالم بن دارة اليربوعي-وهو الشاهد رقم [٣٨٥] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [البسيط]

أنا ابن دارة معروفا بها نسبي... وهل بدارة يا للنّاس من عار؟

وهناك الحال اللازمة في قراءة من قرأ قوله تعالى في سورة (ص) رقم [٢٩]: «(كتاب أنزلناه إليك مباركا)» بالنصب؛ لأن البركة لا تفارق الكتاب، وهو القرآن.

{إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)}

الشرح: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ:} قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: استثناء للموصوفين بالصفات المذكورة بعد ذكر المطبوعين على الأحوال المذكورة قبل لمضادة تلك الصفات لها؛ من حيث إنها دالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف

<<  <  ج: ص:  >  >>