من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار الآجل على العاجل، وتلك ناشئة من الانهماك في حب العاجل، وقصور النظر عليه. انتهى. هذا؛ وفسر الجلال {الْمُصَلِّينَ} بالمؤمنين؛ لأن الصلاة الشرعية المقبولة عند الله تستلزم الإيمان، وبدون الإيمان، لا تكون صحيحة، ولا مقبولة.
{الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ:} مواظبون على أداة الصلاة، لا يشغلهم عنها شاغل؛ لأن نفوسهم صافات من أكدار الدنيا بتعرضهم لنفحات الله. وقيل: معناه يحافظون على أوقاتها، وواجباتها. قاله ابن مسعود-رضي الله عنه-. وقيل: المراد بالدوام هنا السكون، والخشوع، كقوله تعالى في سورة (المؤمنون): {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ} قاله عقبة ابن عامر-رضي الله عنه-. وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة، فإن الذي لا يطمئن في ركوعه، وسجوده؛ لم يسكن فيها، ولم يدم، بل ينقرها نقر الغراب، فلا يفلح في صلاته. وخذ ما يلي:
فعن أبي مسعود البدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجزئ صلاة الرجل حتّى يقيم ظهره في الركوع والسّجود». رواه أحمد وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وعن أبي قتادة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أسوأ الناس سرقة الّذي يسرق من صلاته». قالوا: يا رسول الله! كيف يسرق من الصلاة؟ قال:«لا يتمّ ركوعها، ولا سجودها». أو قال:«لا يقيم صلبه في الركوع، والسّجود». رواه أحمد، والطبراني، وغيرهما.
وعن علي-رضي الله عنه-قال: نهاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقرأ؛ وأنا راكع، وقال:«يا عليّ مثل الّذي لا يقيم صلبه في صلاته كمثل حبلى حملت، فلمّا دنا نفاسها؛ أسقطت، فلا هي ذات حمل، ولا هي ذات ولد». رواه أبو يعلى، وغيره.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رجلا دخل المسجد؛ ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في ناحية المسجد، فصلّى، ثمّ جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«وعليك السّلام، ارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ». فصلى ثم جاء فسلام، فقال:«وعليك السّلام، ارجع، فصلّ، فإنك لم تصلّ». فصلى، ثم جاء، فسلام، فقال:«وعليك السّلام، ارجع، فصلّ، فإنك لم تصلّ». فقال في الثانية، أو في التي تليها: علمني يا رسول الله! وفي رواية: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني! فقال: «إذا قمت إلى الصلاة؛ فأسبغ الوضوء، ثمّ استقبل القبلة، فكبّر، ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن، ثم اركع؛ حتى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تستوي قائما، ثمّ اسجد حتى تطمئنّ ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئنّ جالسا، ثم اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلّها». رواه البخاري، ومسلم.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة، وآخر ما يبقى الصّلاة، وأوّل ما يحاسب به الصلاة، ويقول الله: انظروا