الشرح:{مِنْ وَرائِهِ} أي: من أمام الجبار العنيد، وانظر الآية رقم [٧١] من سورة (هود) عليه السّلام تجد ما يسرك ويثلج صدرك. {جَهَنَّمُ} أي: فإنه مرصد بها، واقف على شفيرها في الدنيا، مبعوث إليها في الآخرة، وقيل: المعنى من وراء حياة الجبار العنيد جهنم. {وَيُسْقى} أي: الجبار العنيد. {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} أي: مثل الصديد، كما يقال للرجل الشجاع: أسد؛ أي:
مثل الأسد، وهو تمثيل وتشبيه، وقيل: هو ما يسيل من أجسام أهل النار من القيح والدم، وقال محمد بن كعب القرظي: هو ما يسيل من فروج الزناة، والزواني، وانظر الآية التالية.
الإعراب:{مِنْ وَرائِهِ:} متعلقان بمحذوف صفة ثالثة للموصوف المحذوف، أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم. {جَهَنَّمُ:} فاعل بالجار والمجرور لاعتمادهما على الموصوف، وفي الحقيقة نائب فاعل لفعل مقدر؛ أي: يوجد من ورائه جهنم. هذا؛ والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و {جَهَنَّمُ} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صفة للموصوف المحذوف، أو حال منه على نحو ما تقدم. {وَيُسْقى:} الواو: حرف عطف.
(يسقى): مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف، ونائب الفاعل يعود إلى الشخص الجبار، وهو المفعول الأول. {مِنْ ماءٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني. {صَدِيدٍ:} عطف بيان، أو بدل من {ماءٍ،} وقيل: هو نعت ل: {ماءٍ،} كما تقول: هذا خاتم حديد، والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات، وأجازه الكوفيون، وتبعهم الفارسي، وهو بصري. وجملة: {(يُسْقى...)} إلخ معطوفة على الصفة قبلها، فهو عطف جملة فعلية على مثلها على الإعراب الأول في:{مِنْ وَرائِهِ} وعطف جملة فعلية على اسمية على الإعراب الثاني، وقيل: الجملة معطوفة على جملة محذوفة، التقدير: يلقى فيها، ويسقى، فيكون المحل للمقدرة، وجملة: {(يُسْقى...)} إلخ تابعة لها.
الشرح:{يَتَجَرَّعُهُ} أي: يتحسى الجبار العنيد الماء الصديد، ويشربه لا بمرة واحدة، بل يبتلعه جرعة بعد جرعة لمرارته، وكراهته، وحرارته، ونتنه، فعن أبي أمامة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ} قال: «يقرّب إلى فيه فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه، قطّع أمعاءه حتى تخرج من دبره».