يقول الله: {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} ويقول: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ» خرجه الترمذي، وقال: حديث غريب. انتهى. قرطبي.
{وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ:} ولا يقارب أن يبتلعه، فكيف تكون الإساغة، فهو كقوله تعالى:
{لَمْ يَكَدْ يَراها} أي: لم يقرب من رؤيتها، فكيف يراها؟! وساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا إذا كان سلسا سهلا، وقيل: {يَكادُ} صلة؛ أي: يسيغه بعد إبطاء. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ} أي: يأتيه أسباب الموت من كل جهة، عن يمينه وشماله، ومن فوقه، وتحته، ومن قدامه، وخلفه. وقيل: إنه لا يبقى عضو من أعضائه إلا وكل به نوع من العذاب، لو مات سبعين مرة لكان أهون عليه من نوع منها في فرد لحظة: إما حية تنهشه، أو عقرب تلدغه، أو نار تسفعه، أو قيد برجليه، أو غل في عنقه، أو سلسلة يقرن بها، أو تابوت يكون فيه، أو زقوم، أو حميم، أو غير ذلك من أنواع العذاب.
{وَما هُوَ بِمَيِّتٍ} أي: لا يموت، فيستريح، وقال ابن جريح: تعلق روحه في حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه، فتنفعه الحياة، ونظيره قوله تعالى:
{ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} وقال الشاعر: [الطويل]
ألا من لنفس لا تموت فينقضي... شقاها، ولا تحيا حياة لها طعم
{عَذابٌ غَلِيظٌ} أي: شديد متواصل الآلام من غير فتور.
بعد هذا؛ فالموت: انتهاء الحياة بخمود حرارة البدن، وبطلان حركته، وموت القلب: قسوته، فلا يتأثر بالمواعظ، ولا ينتفع بالنصائح، أما الميت والميتة بفتح الميم وسكون الياء فيهما، فهو من فارقت روحه جسده، وجمعه: أموات، وأما المشدد فهو الحي الذي سيموت، وعليه قوله تعالى:
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ،} وجمعه موتى، قال الإمام علي-كرم الله وجهه-: [البسيط]
ففز بعلم، ولا تجهل به أبدا... فالنّاس موتى، وأهل العلم أحياء
هذا وقد قال بعض الأدباء في الفرق بين المشدد والمخفف: [الطويل]
أيا سائلي تفسير ميت وميّت... فدونك قد فسّرت ما عنه تسأل
فمن كان ذا روح، فذلك ميّت... وما الميت إلاّ من إلى القبر يحمل
هذا هو الأصل الغالب في الاستعمال، وقد يتعاوضان كما في قول ابن الرعلاء الغساني: [الخفيف]
ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبا... كاسفا باله قليل الرّجاء