الإعراب:{وَوَهَبْنا:} فعل، وفاعل. {لَهُ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ رَحْمَتِنا:} عبارة السمين: في {مِنْ} هذه وجهان: أحدهما: أنها تعليلية؛ أي: من أجل رحمتنا. والثاني: أنها تبعيضية، وهو يعني على الاعتبارين: أن الجار والمجرور متعلقان بالفعل (وهبنا). وأقول:
لا معنى للتعليل، ولا للتبعيض هنا، وإنما معنى {مِنْ} الابتداء، وعليه فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من {هارُونَ} التقدير: حالة كونه من رحمتنا، على مثال ما رأيت في الآية رقم [٥٠]{أَخاهُ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، والهاء في محل جر بالإضافة. {هارُونَ:} بدل من {أَخاهُ،} أو عطف بيان عليه، وأجيز اعتباره مفعولا به لفعل محذوف، تقديره: أعني. {نَبِيًّا:} حال من: {هارُونَ،} وجملة:
{وَوَهَبْنا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ} أي: اقرأ في القرآن على قومك قصة إسماعيل عليه الصلاة، والسّلام وما اتصف به من صفات جليلة، فإنه أبوهم الأول، وإنهم يفخرون بالانتساب إليه. {إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ:} خصه الله تعالى بذكر صدق الوعد، وإن كان موجودا في غيره من الأنبياء من غير شك، تشريفا له، وإكراما، كالتلقيب بنحو: الحليم، والأواه والصدّيق، ولأنه المشهور المتواتر من خصاله الجليلة.
واختلف في ذلك، فقيل: إنه وعد من نفسه بالصبر على الذبح، فصبر حتى فدي، كما ستجده في سورة (الصافات) إن شاء الله تعالى. وقيل: وعد رجلا أن يلقاه في موضع، فنسي ذلك الرجل الوعد، فانتظره إسماعيل في ذلك الموضع اثنين وعشرين يوما، وقد فعل نبينا صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك قبل أن يبعث فعن عبد الله بن أبي الحمساء-رضي الله عنه-قال: بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقيّة، فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام، فجئت فإذا هو مكانه، فقال:«يا فتى لقد شققت عليّ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك». خرجه الترمذي وغيره. {وَكانَ رَسُولاً:} إلى قبيلة جرهم الذين نزلوا عليه وعلى أمه هاجر في مكة، وزوجوه منهم كما رأيت في الآية رقم [٣٥] من سورة (إبراهيم) وشريعته هي شريعة أبيه إبراهيم.
هذا؛ والوفاء بالوعد حلية الأنبياء، وشعار ذوي التقى والفضل من الأصفياء، ورمز الثقة من ذوي الرأي والحكمة من العقلاء، وقد أكد الرسول المعظم صلّى الله عليه وسلّم أمر العهد، وشدد في طلب الوفاء بالوعد، وبين: أن من أخلف الوعد، ونكث العهد، فقد خان الله ورسوله، وباع آخرته بدنياه، وخرج من دينه، ودخل في النفاق، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: ما خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». رواه أحمد