للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقبوضا. هذا؛ وقيل: معنى {يَسِيراً} سريعا؛ قاله الضحاك. وقال قتادة: خفيا، أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضا خفيا، كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة، وليس يزول دفعة واحدة. هذا؛ وجاء ب‍: {ثُمَّ} العاطفة التي هي للتراخي في هذه الآية وسابقتها لتفاضل ما بين الأمور، فكان الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني، شبه سبحانه وتعالى تباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت. هذا؛ ولا تنس: الحكمة المترتبة على مد الظل وقبضه بواسطة الشمس، أي بشروقها، وغروبها، وهي انتظام مصالح الكون، وتحصيل ما لا يحصر من منافع الخلق به. هذا؛ وفي قوله تعالى: {قَبَضْناهُ} استعارة تصريحية تبعية، استعير فيها لفظ المشبه به، وهو البعد، والتراخي للمشبه، وهو تفاضل الأمور.

الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف وتراخ. {قَبَضْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {إِلَيْنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.

{قَبْضاً:} مفعول مطلق. {يَسِيراً:} صفة له.

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)}

الشرح: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً} أي: سترا للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن. قال الطبري: وصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء، ويغشاها. {وَالنَّوْمَ سُباتاً:} راحة للأبدان بالانقطاع عن الأشغال، وأصل السبات من التمدد، وقيل للنوم: سبات؛ لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة. وقيل: السبت: القطع، فالنوم انقطاع عن الأعمال، ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الأعمال فيه. {وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً} أي: ذا نشور، أي انتشار ينتشر الناس فيه للمعاش، أو هو بعث من النوم كبعث الأموات، وفيه إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذج للموت، والبعث يوم القيامة، ومن وصية لقمان عليه السّلام لابنه: يا بني كما تنام، فتوقظ، كذلك تموت، فتنشر. هذا؛ وسبت الشيء: قطعه، وسبت الرأس: حلقه، والسبت: مصدر ويوم من أيام الأسبوع، وجمعه: أسبت، وسبوت، والسبت أيضا: النوام، والفرس، والجواد، والرجل الداهية. هذا؛ والسّبت بكسر السين: الجلد المدبوغ، قال عنترة في وصف الشجاع الذي افتخر بقتله: [الكامل]

بطل كأنّ ثيابه في سرحة... يحذى نعال السّبت ليس بتوءم

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أصبح قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور». وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق، فيها إظهار لنعمته على خلقه؛ لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية، ودنيوية، وقد كثر هذا الامتنان من الله على خلقه مثل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ..}. إلخ الآية رقم [١٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>