للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تنس: المقابلة بين المؤمنين، والمفسدين، وبين المتقين، والفجار، وهذه المقابلة من ألطف أنواع البديع، وبعضهم يسميها مطابقة.

ومعنى الآيتين هنا: النفي، والإنكار؛ أي: لا نفعل، ولا نسوي بين المؤمنين، والمفسدين، ولا بين المتقين، والفاجرين، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من دار أخرى يثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها الفاجر. وتدل العقول السليمة، والفطر المستقيمة على أنه لا بد من معاد، وجزاء، فإنا نرى الظالم الباغي في هذه الدنيا يزداد ماله، وولده، ونعيمه، ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلا بد من حكمة الحكيم العليم العادل، الذي لا يظلم مثقال ذرة من إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعين أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء، وهذه المواساة. انتهى. مختصر ابن كثير، ومثل هاتين الآيتين في الإنكار على الكافرين الزاعمين التسوية بين الصالح والطالح، والنافع، والضار، والمحسن، والمسيء قوله تعالى في سورة الجاثية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ} وقوله تعالى في سورة (ن): {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف بمعنى: «بل»؛ التي هي للإضراب الانتقالي. {نَجْعَلُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر، تقديره: «نحن». {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، وجملة: {وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {كَالْمُفْسِدِينَ:} الكاف: اسم بمعنى: مثل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به ثان، والكاف مضاف، و (المفسدين) مضاف إليه، وهذا أولى من اعتبارهما جارا ومجرورا، والجملة الفعلية: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها، وجملة: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ} معطوفة عليها، وإعرابها مثلها.

{كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)}

الشرح: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ} أي: هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك يا محمد، عظيم جليل، كثير الخيرات، والمنافع الدينية، والدنيوية. {لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ} أي: أنزلناه؛ ليتدبروا آياته، ويتفكروا بما فيها من الأسرار العجيبة، والحكم الجليلة. {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ} أي: وليتعظ بهذا القرآن أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة.

قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: والله ما تدبّره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا؛ وقد أسقطه والله كله! ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق، ولا عمل! رواه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري.

هذا؛ وقال الزمخشري في كشافه: وتدبر الآيات: التفكر فيها، والتأمل الذي يؤدي إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة، والمعاني الحسنة؛ لأن من اقتنع بظاهر المتلو؛

<<  <  ج: ص:  >  >>