للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلها، واعتبرها أبو حيان في محل نصب حال من فاعل: {دَعا} المستتر، وعليه يكون الرابط:

الواو، والضمير، و «قد» قبلها مقدرة. (قال): فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من) أيضا.

{إِنَّنِي:} حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم اسمها. {مِنَ الْمُسْلِمِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر (إنّ)، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة: {وَقالَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤)}

الشرح: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي: في الجزاء؛ أي: إن الحسنة، والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها؛ إذا اعترضتك حسنتان، فادفع بها السيئة؛ التي ترد عليك من بعض أعدائك، كما لو أساء إليك رجل إساءة، فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك، فتمدحه، أو يقتل ولدك، فتفتدي ولده من يد عدوّه. انتهى. نسفي. وقال الخازن: يعني الصبر، والغضب، والحلم، والجهل، والعفو، والإساءة.

هذا؛ والحسنة: ما يحمد فاعلها شرعا، وسميت حسنة؛ لحسن وجه صاحبها عند رؤيتها يوم القيامة. والمراد: بالحسنة المقبولة الأصلية المعمولة للعبد، أو ما في حكمها، كما لو تصدق عنه غيره. وأما السيئة؛ فهي ما يذم فاعلها شرعا، صغيرة كانت، أو كبيرة، وسميت سيئة؛ لأن فاعلها يساء بها عند المجازاة عليها في الدنيا، أو في الآخرة، وأصلها:

سيوئة، فقل في إعلالها: اجتمعت الواو، والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.

{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أمره بالصبر عند الغضب، وبالحلم عند الجهل، وبالعفو عند الإساءة. {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي:

صديق قريب. والمعنى: فإنك إذا فعلت ذلك؛ انقلب عدوك المشاق لك مثل الصديق القريب مصافاة لك. قال مقاتل: نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذيا للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فصار له وليا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة؛ التي وقعت بينه، وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم أسلم، فصار وليا في الإسلام حميما في القرابة، وانظر ما ذكرته في سورة (المؤمنون) رقم [٩٧].

تنبيه: روي: أن رجلا شتم قنبرا مولى علي بن أبي طالب، فناداه علي: يا قنبر! دع شاتمك، واله عنه؛ ترض الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه. وأنشدوا: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>