للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)}

الشرح: {فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ}: لقد اختلف في مرجع الضمير، فقيل: إنه يرجع إلى موسى، وأراد بهم قوم موسى، هلك الآباء وبقي الأبناء الذين نجوا من قتل فرعون فآمنوا بموسى، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الضمير يعود إلى فرعون، يعني من قوم فرعون، منهم مؤمن آل فرعون الذي ذكر بإسهاب في سورة (غافر)، وخازن فرعون، وامرأته آسية، وماشطة ابنته، وامرأة خازنه، وقيل: هم أقوام آباؤهم من القبط، وأمهاتهم من بني إسرائيل فسموا ذرية، كما يسمى أولاد الفرس الذين توالدوا في بلاد اليمن وبلاد العرب:

الأبناء؛ لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم، قاله الفراء، وعلى هذا فالضمير في قومه يعود إلى موسى للقرابة من جهة الأمهات، وإلى فرعون، إذا كانوا من القبط.

هذا؛ والذرية: نسل الإنسان وقد تكثر، وانظر الآية رقم [١٧٢] (الأعراف). {عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ} أي: مع خوف من فرعون؛ لأنه كان مسلطا عليهم عاتيا. {وَمَلائِهِمْ}: واختلف في مرجع الضمير أيضا، فقيل: هو عائد على الذرية، ولم يؤنث؛ لأن الذرية قوم، فهو مذكر في المعنى، وقيل: هو عائد على القوم، وقيل: هو عائد على فرعون، وإنما جمع لوجهين:

أحدهما: أن فرعون لما كان عظيما عندهم عاد عليه الضمير بلفظ الجمع، كما يقول العظيم:

نحن نأمر، والثاني: أن فرعون صار اسما لأتباعه، كما أن ثمود وعادا اسمان للقبيلتين وقيل:

الضمير يعود على محذوف، تقديره: من آل فرعون وملئهم، أي: ملأ الآل، وهذا عندنا غلط؛ لأن المحذوف لا يعود إليه ضمير، انتهى. عكبري بتصرف.

{أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أي: يصرفهم عن دينهم بالتعذيب والانتقام، فوحد الفاعل؛ لأن قوم فرعون وملأه كانوا على مراده وتابعين له. {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ} أي: لعات متجبر متكبر في أرض مصر. {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي: المتجاوزين الحد؛ لأنه عبد فادعى الربوبية، وأكثر القتل والتعذيب في بني إسرائيل.

قال الخازن: لما ذكر الله عز وجل ما أتى به موسى عليه السّلام من المعجزات العظيمة الباهرة؛ أخبر الله سبحانه وتعالى أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، وإنما ذكر الله عز وجل هذا تسلية لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه، وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به، واستمرارهم على الكفر والتكذيب.

الإعراب: {فَما}: الفاء: حرف استئناف. (ما): نافية. {آمَنَ}: ماض. {لِمُوسى}:

متعلقان بما قبلهما. {إِلاّ}: حرف حصر. {ذُرِّيَّةٌ}: فاعل. {مِنْ قَوْمِهِ}: متعلقان بمحذوف

<<  <  ج: ص:  >  >>