الشرح:{وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ..}. إلخ: أي: فارضخوا لهم من المال قبل القسمة؛ إن كانوا غير وارثين. واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هذه الآية منسوخة بآية المواريث، وهذا قبل نزول آية المواريث فلمّا نزلت آية المواريث؛ جعلت الأموال لأهلها، ونسخت هذه الآية. وهي رواية مجاهد عن ابن عبّاس، وقول سعيد بن المسيب، وعكرمة، والضّحاك. وقال قوم: هي محكمة غير منسوخة، وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس، وهو قول أبي موسى الأشعري، وكثير غيره، ثم اختلف العلماء بعد القول بأنّها محكمة: هل هذا الأمر أمر وجوب، أو ندب؟ على قولين:
أحدهما: أنه واجب. فقيل: إن كان الوارث كبيرا؛ وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئا من المال بقدر تطيب به نفسه، وإن كان الوارث صغيرا؛ وجب على الولي أن يعتذر إليهم، ويقول: إني لا أملك هذا المال، وهو لهؤلاء الضّعاف، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم، وإن يكبروا فسيعرفوا حقّكم. هذا هو القول المعروف. وقال بعضهم: هذا حق واجب في مال الصّغار، والكبار، فإن كان الورثة كبارا؛ تولّوا إعطاءهم بأنفسهم، وإن كانوا صغارا؛ أعطى وليّهم. انتهى. خازن.
أقول: الآية محكمة، ولفظ القسمة يوحي بأنّها نزلت بعد آية المواريث. وقيل آية الموارث لم تكن قسمة؛ لأنّ الكبار كانوا يحرمون النساء، والصغار من الميراث، كما رأيت في الآية السابقة، ويستولون على تركة الميت. وسواء أكان الأمر للوجوب، أو للندب، فهو عمل إنساني نبيل، وقد طبّقه القانون في أكثر البلاد الإسلامية على الأحفاد الّذين مات والدهم قبل جدّهم، ثمّ مات الجدّ، فإنّه يعطي هؤلاء الأحفاد نصيب أبيهم لو كان حيّا بشرط ألا يزيد على الثلث، وقد أطلق عليه اسم الوصية الواجبة، ولا بأس به، فهو عمل إنسانيّ؛ لأنّ النفوس في هذه الأيام قد طبعت على الشحّ، وقست، فلم يبق فيها عطف، ولا شفقة.
هذا؛ والضمير في:{مِنْهُ} عائد على معنى القسمة؛ إذ هي بمعنى المقسوم، كقوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ} أي: السقاية؛ لأنّ الصواع مذكّر، وهما بمعنى واحد.
الإعراب:{وَإِذا:} الواو: حرف عطف. (إذا): انظر الآية رقم [٦]. {حَضَرَ:} فعل ماض.
{الْقِسْمَةَ:} مفعول به. {أُولُوا:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمّة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {أُولُوا:} مضاف، و {الْقُرْبى:} مضاف إليه