للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال لهما: سويد، وعرفجة، فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته، وبناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء، ولا الصّغير؛ وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرماح، وضارب بالسيوف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجّة ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدعاهما، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلاّ، ولا ينكأ عدوا. فقال عليه الصّلاة والسّلام: انصرفا؛ حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهنّ، فأنزل الله الآية الكريمة ردّا عليهم، وإبطالا لقولهم، وتصرفهم بجهلهم، فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحقّ بالمال من الكبار لعدم تصرفهم، والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة، فضلّوا بأهوائهم، وأخطئوا في آرائهم، وتصرفاتهم.

{لِلرِّجالِ نَصِيبٌ:} مبهم، بيّنته آيات المواريث الآتية. {مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ} ففيه تغليب الأب على الأم، وأيضا في لفظ: الأبوين، وفيه أشعار بتفضيل الأب على الأم، والذكر على الأنثى.

هذا؛ والتغليب باب من أبواب النّحو معروف، ومشهور. خذ قول الفرزدق-وهو الشاهد رقم [١١٦٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]

أخذنا بآفاق السّماء عليكم... لنا قمراها والنّجوم الطّوالع

{مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} أي: سواء أكان الذي تركه المتوفّي مالا قليلا، أو كثيرا، فلكلّ من الرجال، والنساء نصيب بينته الآية الآتية. {نَصِيباً مَفْرُوضاً} أي: معلوما مقطوعا لكلّ وارث.

هذا؛ وبين: {قَلَّ} و {كَثُرَ} طباق.

الإعراب: {لِلرِّجالِ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. {نَصِيبٌ:} مبتدأ مؤخّر. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان ب‍ {نَصِيبٌ} أو بمحذوف صفة له. {مِمّا:} تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جرّ ب‍ (من). {تَرَكَ:} فعل ماض. {الْوالِدانِ:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية صلة: (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: من الذي، أو: من شيء تركه الوالدان. {وَالْأَقْرَبُونَ:} معطوف على ما قبله مرفوع مثله، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمّة؛ لأنّه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية: {لِلرِّجالِ..}.

إلخ مستأنفة لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق. {مِمّا:} بدل مما قبلهما، وجوز أبو البقاء اعتبارهما متعلقين بمحذوف حال من الضمير المحذوف الواقع مفعولا به.

{قَلَّ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (ما) وهو العائد، أو الرابط. {مِنْهُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والتي بعدها معطوفة عليها، وحذف متعلقها اكتفاء بما قبله. {نَصِيباً:} مفعول مطلق مؤكد لمعنى الكلام السابق. وقيل: حال. وقيل: منصوب على الاختصاص بفعل محذوف، تقديره: أعني. {مَفْرُوضاً:} صفة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>