للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)}

الشرح: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ:} تصبكم أيّها المؤمنون. وأصل المسّ: الجسّ باليد، ثمّ يطلق على كل ما يصل إلى الشيء على سبيل التشبيه، كما يقال: مسّه نصب، وتعب، وهو يأتي للخير، والشرّ، قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٧]: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. و {حَسَنَةٌ:} نعمة، كنصر، وغنيمة، ورخاء عيش، وخصب بالثّمار، والزروع. {تَسُؤْهُمْ:} تحزنهم. {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ:} شرّ، كهزيمة، وجدب، وبلاء، وأمثال ذلك. {يَفْرَحُوا بِها:} يسرّوا بها. والمعنى في الآية الكريمة إنّ من كان هذا شأنه، وهذه صفته من شدّة الحسد، والحقد يفرح بنزول الشّدائد، ويغتمّ بنزول الخير لم يكن أهلا لأن يتّخذ صديقا، وبطانة، تفشى إليه الأسرار، ويطّلع على بواطن الأمور، ويركن إليه في هذه الحياة. ولله درّ القائل: [الطويل]

وداريت كلّ النّاس إلاّ حواسدي... مداراتهم عزّت وعزّ نوالها

وكيف تداري عنك حاسد نعمة... إذا كان لا يرضيه إلاّ زوالها

هذا؛ وعبر سبحانه بالمسّ في الخير، وبالإصابة في الشرّ، وذلك للإشارة إلى أنّ الحسنة تسوء الأعداء الحاسدين، ولو كانت بأيسر الأشياء؛ ولو مسّا خفيفا، وأمّا السيئة؛ فإذا تمكّنت الإصابة إلى الذي يرثي له الشّامت؛ فإنّهم لا يرثون، بل يفرحون، ويسرّون. ورحم الله من يقول: [البسيط]

كلّ العداوة قد ترجى إزالتها... إلاّ عداوة من عاداك من حسد

هذا؛ وفي الجملتين من المحسّنات البديعيّة: المقابلة، حيث قابل الحسنة، والمساءة بها بالسّيئة، والفرح بها. {وَإِنْ تَصْبِرُوا} على أذاهم، وعلى طاعة الله، وموالاة المؤمنين، {وَتَتَّقُوا} الله فيما أمر وفيما نهى. {لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً:} لا يضرّكم مكرهم، وعداوتهم، وحسدهم شيئا؛ لأنكم في حفظ الله، ورعايته، وعنايته. يقال: ضارّه، يضوره ضورا، ويضيره ضيرا. {إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أي: هو سبحانه عالم بما يدبّرونه، ويحيكونه لكم من مكائد، فيصرف عنكم شرّهم، ويعاقبهم على نواياهم الخبيثة بما يستحقّون، فلا يفوتونه، ولا يعجزونه. يقال: أحاط السّلطان بفلان: إذا أخذه حاصرا من كلّ جهة، فهو من باب المجاز، بل هي استعارة تبعيّة في الصّفة، سارية إليها من مصدرها، وقال الشاعر: [الطويل]

أحطنا بهم حتّى إذا ما تيقّنوا... بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السّلم

<<  <  ج: ص:  >  >>