للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤)}

الشرح: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} أي: يقذفونهن بالزنى. واستعير الرمي لسب المرأة وقذفها بالزنى؛ لأنه أذية في القول، قال ابن أحمر: [الطويل]

رماني بأمر كنت منه ووالدي... بريئا ومن أجل الطّويّ رماني

الطوي: البئر. وشروط إحصان القذف: الحرية، والعقل، والبلوغ، والإسلام، والعفة عن الزنى، والمحصن كالمحصنة في وجوب حد القذف لمن قذفه، والقذف بغير الزنى، مثل قول القائل: يا فاسق! يا خبيث! يا شارب الخمر! يوجب التعزير، ويكفي فيه شاهدان ليدرأ عن نفسه حد التعزير.

{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ:} يشهدون: أنهم رأوا الميل بالمكحلة، ولا يكفي رأيتهما في فراش واحد، ولا رأيته فوقها، وقد جلد عمر-رضي الله عنه-ثلاثة شهداء على المغيرة بن شعبة حينما شهدوا عليه بالزنى، وجاء الرابع فقال: رأيت ساقا يرفع، ورجلا يدفع، لا أدري ينفع أو لا ينفع؟! وقد عزر المغيرة، وعزله في قصة يطول شرحها، فقد شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن الحارث، وأخوه نافع، وقال الزهراوي: عبد الله بن الحارث، وزياد بن سمية، وهو مستلحق معاوية، وشبل بن معبد البجلي، فلما جاؤوا لأداء الشهادة وتوقف زياد ولم يؤدها، وقال ما ذكرته؛ جلد عمر-رضي الله عنه-الثلاثة المذكورين. انتهى. قرطبي بتصرف.

{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً:} أخف من ضربات الزاني لضعف سببه، واحتماله، ولذلك نقص عدده عن حد الزاني. هذا؛ وتخصيص المحصنات بالذكر لخصوص الواقعة، أو لأن قذف النساء أغلب، وأشنع، ولا يشترط اجتماع الشهود عند الأداء، بل يجوز أداء الشهادة منهم في حال تفرقهم؛ ولو في أيام.

{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً:} هذا يقتضي مدة أعمارهم. فلا تقبل منهم ولهم أية شهادة كانت؛ لأن القاذف مفتر، ولا يتوقف ذلك على استيفاء الجلد؛ خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى، فإن الأمر بالجلد، والنهي عن القبول سيان في وقوعهما جوابا للشرط، لا ترتيب بينهما، فيترتبان عليه دفعة، كيف وحاله قبل الحد أسوأ مما بعده. {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ:} فهذا حكم على القاذفين للمحصنات بالفسوق، أي: الخروج عن طاعة الله تعالى بعد جلدهم ثمانين جلدة، ورد شهادتهم، وعدم قبولها في أي شيء، وهذا أكبر رادع، وأعظم زاجر للذين يتكلمون في أعراض المؤمنات المحصنات، وقد عدّه الرسول صلّى الله عليه وسلّم من السبع الموبقات، وخذ ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>