للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الجملة الأولى: صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف، ولكن في الفواجر.

ومعنى الثانية: صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء، ولكن للزناة. وهما معنيان مختلفان. وقدمت الزانية على الزاني أولا، أي في الآية السابقة، ثم قدم عليها ثانيا، أي في هذه الآية؛ لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي نشأت منها تلك الجناية؛ لأنها لو لم تطمع الرجل، ولم تومض له، ولم تمكنه، لم يطمع، ولم يتمكن، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح، والرجل أصل فيه؛ لأنه الخاطب، ومنه بدئ الطلب. انتهى.

وانظر ما ذكرته في الآية السابقة في سبب تقديم ذكر الزانية على الزاني، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

بعد هذا انظر شرح (الحرام) في الآية رقم [٩٥] من سورة (الأنبياء). والنكاح: حقيقة في العقد، مجاز في الوطء على الأصح عندنا معاشر الشافعية، أما {زانٍ} فأصله: زاني بضمة على الياء علامة للرفع، وبكسرة على الياء علامة للجر في حالات الجر، وبتنوين الصرف، لكن استثقلت الضمة، أو الكسرة على الياء بعد كسرة، فسكنت الياء، فالتقى ساكنان: الياء والتنوين، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، وبقيت النون مكسورة على ما كانت عليه قبل الإعلال، فقيل: (زان) بالكسر، وإنما لم يقل: زان بالرفع؛ لأن الياء محذوفة لعلة الالتقاء، فهي كالثابتة، فتمنع الرفع للنون، وهكذا قل في إعلال كل اسم منقوص مجرد من «أل» والإضافة، سواء أكان ثلاثيا، أم رباعيا؟.

الإعراب: {الزّانِي:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء. {لا:} نافية.

{يَنْكِحُ:} مضارع مرفوع، والفاعل يعود إلى الزاني. هذا؛ ويقرأ الفعل بالجزم على النهي، وفي المرفوع أيضا معنى النهي، وهو أبلغ، وآكد، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ.

{إِلاّ:} حرف حصر. {زانِيَةً:} مفعول به. {أَوْ:} حرف عطف. {مُشْرِكَةً:} معطوف على ما قبله، والجملة الاسمية: {الزّانِي} ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. (الزانية): مبتدأ. {لا:}

نافية. {يَنْكِحُها:} مضارع، والهاء مفعول به. {إِلاّ:} حرف حصر. {زانٍ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {وَالزّانِيَةُ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{مُشْرِكٌ:} معطوف على ما قبله. {وَحُرِّمَ:} الواو: حرف استئناف. (حرم): ماض مبني للمجهول. {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وإن اعتبرتها في محل نصب حال من «الزنى» المفهوم من المقام، وفحوى الكلام السابق، فيكون الرابط: الواو، وعود الإشارة إليه كما هو واضح، وتكون «قد» مقدرة قبل الجملة، والمعنى يؤيد هذا، ويقويه.

<<  <  ج: ص:  >  >>