وقال عكرمة: نزلت في نساء كنّ بمكة، والمدينة، لهنّ رايات يعرفن بها، منهن: أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وكان الرجل في الجاهلية ينكح الزانية، يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الصفة، فاستأذن رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نكاح أم مهزول، واشترطت له أن تنفق عليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده-رضي الله عنهم-قال: كان رجل، يقال له:
مرثد بن أبي مرثد الغنوي-رضي الله عنه-وكان يحمل الأسارى من مكة؛ حتى يأتي بهم المدينة، (وهذا عمل فدائي كان يقوم به-رضي الله عنه-ينقذ به بعض المستضعفين في مكة من الأسر والتعذيب) وكانت بمكة امرأة بغيّ، يقال لها: عناق، وكانت صديقة له في الجاهلية، فلما أتى مكة؛ دعته عناق إلى نفسها، فقال مرثد-رضي الله عنه-: إنّ الله حرم الزنى. قالت:
فانكحني، فقال: حتى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله! أنكح عناقا؟ فأمسك، فلم يرد شيئا، فنزلت الآية الكريمة، فدعاني، فقرأها عليّ، وقال:«لا تنكحها».
أخرجه الترمذي، والنسائي، وأبو داود بألفاظ متقاربة. انتهى. وما أجدرك أن تنظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٢٠] من سورة (البقرة)، فإنك تجد مثل هذا عن مرثد، -رضي الله عنه-. هذا؛ وانظر ما أذكره في الآية رقم [٣٢] الآتية.
وخذ المعنى من قول النسفي-رضي الله عنه-أي: الخبيث الذي من شأنه الزنى، لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء، وإنما يرغب في نكاح خبيثة من شكله، أو في نكاح مشركة، والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصالحاء من الرجال، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة، أو المشركين. (أقول: والعكس مثله، وهو الواقع في كل زمان ومكان).
{وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛} لأنه تشبه بالفساق، وتعرض للتهمة، وتسبب لسوء المقالة، والطعن في النسب، وغير ذلك من المفاسد؛ ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة. انتهى. بيضاوي.
وانظر ما ذكرته بشأن الزنى السرّي، وهو تلقيح المرأة الشائع في هذه الأيام في أول سورة (المؤمنون).
فالآية تزهيد في نكاح البغايا؛ إذ الزنى عديل الشرك في القبح، والإيمان قرين العفاف، والتحصن، وهو نظير قوله تعالى:{الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ..}. إلخ الآية رقم [٢٦] الآتية. وقيل: كان نكاح الزانية محرما في أول الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ..}. إلخ الآية رقم [٣٢] الآتية، وقيل: المراد بالنكاح: الوطء؛ لأن غير الزاني يستقذر الزانية، ولا يشتهيها، وهو صحيح، لكنه يقتضي إذا قولك: الزاني لا يزني إلا بزانية، والزانية لا يزني بها إلا زان، وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمن زنى بامرأة، ثم تزوجها، فقال:«أوّله سفاح، وآخره نكاح، والحرام لا يحرّم الحلال».