للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا اِبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)}

الشرح: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} أي: التوراة. {لَعَلَّهُمْ} أي: قومه بني إسرائيل، ولم يتقدم لهم ذكر، ولا يجوز إرجاع الضمير إلى فرعون وملئه؛ لأن موسى أعطي التوراة بعد هلاك فرعون وقومه، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى} وقد أوتي موسى التوراة جملة واحدة. هذا؛ وخصّ موسى بالذكر؛ لأن التوراة أنزلت عليه في الطور وهارون خليفته في قومه، كما رأيت في سورة (الأعراف) وسورة (طه) ولو قيل: ولقد آتيناهما الكتاب؛ لجاز بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ} الآية رقم [٤٨] من سورة (الأنبياء). {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ:} إلى طريق الخير، والفلاح، والنجاح، ولكن أكثرهم كانوا غير مهتدين بدليل اتخاذهم العجل إلها في حياة موسى وهارون، وقتلهم كثيرا من الأنبياء بعدهما، مثل: يحيى، وزكريا، وغيرهما. هذا؛ والترجي في هذه الآية، وأمثالها إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى لا يحصل منه ترج، ورجاء لعباده. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} أي: بولادتها إياه من غير مسيس ذكر لها. فالآية أمر واحد مضاف إليهما. أو المعنى: جعلنا عيسى ابن مريم آية؛ بأن ظهر منه معجزات كثيرة، أهمّها:

أنه تكلم في المهد، وجعلنا أمه آية بأن حملت وولدت من غير مسيس ذكر لها، فحذفت إحداهما لدلالة الثانية عليها. وانظر الآية رقم [٩١] من سورة (الأنبياء)، فالكلام فيهما واحد، والمعنى واحد.

{وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ} أي: مكان مرتفع، قيل: هي دمشق، وقيل: هي مدينة الرملة بفلسطين. وقيل: هي بيت المقدس، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-. قال كعب: بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. وقيل: هي مصر، وسبب الإيواء: أنها فرت بابنها إليها بصحبة يوسف النجار ابن عمها. {ذاتِ قَرارٍ} أي: أرض مستوية يستقر عليها، وقيل: ذات ثمار، وزروع، فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها. و (معين): ماء جار ظاهر للعيون، يقال: معين، ومعن، كما يقال: رغيف، ورغف، فهو فعيل من: معن الماء: إذا جرى، أو من الماعون، وهو المنفعة؛ لأنه نفاع، أو هو مفعول من عانه: إذا أدركه بعينه؛ لأنه لظهوره مدرك بالعيون. وصف ماؤها بذلك؛ لأنه الجامع لأسباب التنزه، وطيب المكان. وانظر شرح:

{ذاتِ} في الآية رقم [٢] من سورة (الحج)، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى:} انظر إعراب مثل هذه الكلمات في الآية رقم [١٢] {الْكِتابَ:} مفعول به ثان، والكلام معطوف على ما في الآية رقم [٢٣] أو هو مستأنف لا محل

<<  <  ج: ص:  >  >>