الشرح:{لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ:} المراد: عبد الله بن سلام، وأصحابه؛ الذين أسلموا من أهل الكتاب-رضي الله عنهم-، وذلك: أنّ اليهود الخبثاء، أنكروا ما تقدّم، وقالوا:
إنّ هذه الأشياء كانت حراما في الأصل، وأنت تحلّها، ولم تكن حرّمت بظلمنا، فنزلت الآية الكريمة. انتهى قرطبي.
هذا؛ و:{الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أي: المبالغون في علم الكتاب، الثابتون، وهم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في علمهم شكّ، والرسوخ: الثبوت في الشّيء، وكل ثابت راسخ، وأصله في الأجرام: أن يرسخ الجبل، والشّجر، ونحوهما في الأرض، قال الشاعر:[الطويل]
لقد رسخت في الصّدر منّي مودّة... لليلي أبت آياتها أن تغيّرا
هذا؛ وقال ابن أبي حاتم بسنده: حدّثنا عبيد الله بن يزيد-وكان قد أدرك أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنسا، وأبا أمامة، وأبا الدّرداء-رضي الله عنهم-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال:«من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، وعفّ بطنه، وفرجه؛ فذلك من الرّاسخين في العلم». وقال ابن المنذر في تفسيره عن نافع بن يزيد:{الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ:}
المتواضعون لله، المتذلّلون في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا يحقرون من دونهم.
هذا؛ وفي قوله تعالى:{الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} استعارة، والمراد بها المتمكّنون في العلم، تشبيها برسوخ الشيء الثقيل في الأرض الخوّارة. وهذا أبلغ من قوله: الثابتون في العلم. هذا؛ والرّاسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتّواضع فيما بينه وبين النّاس، والزّهد فيما بينه وبين الدّنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النّفس.
يصدقون بالقرآن الذي أنزل عليك يا محمد! {وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ:} المراد به: الكتب السماوية المنزلة على الرّسل السابقين: التوراة، والإنجيل، والزّبور، والصحف الّتي أنزلت على إبراهيم وغيره، صلوات الله، وسلامه على نبينا، وعليهم أجمعين. {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ:} انظر الآية رقم [١٠٣]. {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ:} التي فرضها الله عليهم في أموالهم. {وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:} هو آخر أيام الدنيا، فيه: البعث، والحشر، والحساب، وإدخال أهل الجنّة الجنّة بالفضل الربّاني، وإدخال أهل النّار النّار بالعدل الإلهي.