للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)}

الشرح: {لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ:} المراد: عبد الله بن سلام، وأصحابه؛ الذين أسلموا من أهل الكتاب-رضي الله عنهم-، وذلك: أنّ اليهود الخبثاء، أنكروا ما تقدّم، وقالوا:

إنّ هذه الأشياء كانت حراما في الأصل، وأنت تحلّها، ولم تكن حرّمت بظلمنا، فنزلت الآية الكريمة. انتهى قرطبي.

هذا؛ و: {الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أي: المبالغون في علم الكتاب، الثابتون، وهم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في علمهم شكّ، والرسوخ: الثبوت في الشّيء، وكل ثابت راسخ، وأصله في الأجرام: أن يرسخ الجبل، والشّجر، ونحوهما في الأرض، قال الشاعر: [الطويل]

لقد رسخت في الصّدر منّي مودّة... لليلي أبت آياتها أن تغيّرا

هذا؛ وقال ابن أبي حاتم بسنده: حدّثنا عبيد الله بن يزيد-وكان قد أدرك أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنسا، وأبا أمامة، وأبا الدّرداء-رضي الله عنهم-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، وعفّ بطنه، وفرجه؛ فذلك من الرّاسخين في العلم». وقال ابن المنذر في تفسيره عن نافع بن يزيد: {الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ:}

المتواضعون لله، المتذلّلون في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا يحقرون من دونهم.

هذا؛ وفي قوله تعالى: {الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} استعارة، والمراد بها المتمكّنون في العلم، تشبيها برسوخ الشيء الثقيل في الأرض الخوّارة. وهذا أبلغ من قوله: الثابتون في العلم. هذا؛ والرّاسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتّواضع فيما بينه وبين النّاس، والزّهد فيما بينه وبين الدّنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النّفس.

{وَالْمُؤْمِنُونَ} أي: منهم، والمؤمنون من المهاجرين، والأنصار. {يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ} أي:

يصدقون بالقرآن الذي أنزل عليك يا محمد! {وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ:} المراد به: الكتب السماوية المنزلة على الرّسل السابقين: التوراة، والإنجيل، والزّبور، والصحف الّتي أنزلت على إبراهيم وغيره، صلوات الله، وسلامه على نبينا، وعليهم أجمعين. {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ:} انظر الآية رقم [١٠٣]. {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ:} التي فرضها الله عليهم في أموالهم. {وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:} هو آخر أيام الدنيا، فيه: البعث، والحشر، والحساب، وإدخال أهل الجنّة الجنّة بالفضل الربّاني، وإدخال أهل النّار النّار بالعدل الإلهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>