لا محل لها على الاعتبارين. {فَلا:} الفاء: حرف عطف على رأي من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك، -أي ما ذكر-حاصلا، وواقعا. {فَلا..}. إلخ. (لا): ناهية جازمة.
{تَغُرَّنَّكُمُ:} فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم ب: (لا) الناهية، والنون حرف لا محل له، والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
{الْحَياةُ:} فاعله. {الدُّنْيا:} صفة {الْحَياةُ} مرفوع مثله، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، والجملة:{وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} معطوفة عليها، لا محل لها مثلها، وإعرابها مثلها أيضا، ولا خفاء فيه. تأمل، وتدبر وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: روي: أن رجلا من قبيلة محارب، اسمه: الحارث بن عمرو، بن حارثة، بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! أخبرني عن الساعة متى قيامها؟ وإني قد ألفيت حياتي في الأرض، وقد أبطأت عنا السماء؛ فمتى تمطر؟ وأخبرني عن امرأتي؛ فقد اشتملت ما في بطنها، أذكر، أم أنثى؟ وإني علمت ما عملت أمس، فما أعمل غدا؟ وهذا مولدي قد عرفته فأين أموت؟ فنزلت الآية الكريمة.
وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مفاتح الغيب خمس، لا يعلمها إلاّ الله تعالى، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلاّ الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلاّ الله، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت، ولا يدري أحد متى يأتي المطر». وفي رواية أخرى:«لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلاّ الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلاّ الله، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى السّاعة إلاّ الله». أخرجه البخاري.
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: «من ادّعى علم هذه الخمسة فقد كذب، إياكم والكهانة، فإن الكهانة تدعو إلى الشرك، والشرك وأهله في النار». وروي: أن المنصور العباسي أهمه معرفة مدة عمره، فرأى في منامه كأن خيالا أخرج يده من البحر، وأشار إليه بالأصابع الخمس، وكان سأله عن مدة عمره، فاستفتى العلماء في ذلك. فتأولوها بخمس سنين وبخمسة أشهر، وبخمسة أيام، حتى قال أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-: تأويلها أن مفاتح الغيب خمس، لا يعلمها إلا الله، وأن ما طلبت معرفته لا سبيل لك إليه.