للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} أي: علم وقت قيامها، وانظر شرح {السّاعَةِ} في الآية رقم [١٤] من سورة (الروم). {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أي: المطر في وقته المقدر له، والمكان المعيّن له، لا يتجاوزه، من غير تقديم، ولا تأخير. وسمي المطر: غيثا؛ لأنه يغيث الناس، فيزيل همهم، ويفرج كربهم، ويطلق مجازا على الجواد الكريم، قال ذو الرمة في مدح بلال بن أبي بردة الأشعري: [الوافر] سمعت الناس ينتجعون غيثا... فقلت لصيدح انتجعي بلالا

فقد جعله أجود من الغيث، وأنفع. وصيدح: اسم ناقته. وللزمخشري قوله: [البسيط] لا تحسبوا أنّ في سرباله رجلا... ففيه غيث وليث مسبل مشبل

{وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ:} أذكر، أم أنثى، تام أم ناقص، أسود، أو أبيض، صبيح أم قبيح.

وفي سورة (الرعد) رقم [٩]: {اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ} والأرحام جمع:

رحم، وهو مستودع الجنين في بطن الأنثى الحبلى من الإنسان، والحيوان. هذا؛ والرحم:

القرابة من جهة الأب، أو الأم، قال تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ}.

{وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً:} من خير، أو شر، وربما تعزم على شيء، وتفعل خلافه. {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ:} ليس أحد يعلم أين مدفنه من الأرض في بر، أو بحر في سهل، أو جبل، وكل إنسان يساق إلى الأرض التي قدر الله فيها موته، كما يساق إلى الأرض التي قدر الله فيها دفنه، وربما أقام الإنسان بأرض، وحدثته نفسه بالإقامة الدائمة فيها، وضربت، أوتادها، وقالت: لا أبرحها، وأقبر فيها، فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها، ولا حدثتها به ظنونها.

روي: أن ملك الموت -عليه السّلام-مر على سليمان، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه، ويديم النظر إليه، فقال الرجل: من هذا؟ قال: ملك الموت، فقال: كأنه يريدني، وسأل سليمان أن يحمله على الريح، ويلقيه ببلاد الهند، ففعل، ثم قال ملك الموت لسليمان كان دوام نظري إليه تعجبا منه؛ لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند، وهو عندك! {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ:} يعلم الأشياء كلها. {خَبِيرٌ:} يعلم بواطنها، كما يعلم ظواهرها. {غَداً:} المراد به: اليوم الذي بعد يومك على الأثر، وأصله: غدو، فحذفت منه الواو لغير علة تصريفية، وهو ما يسمى الحذف اعتباطا، وقد ردها لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-في قوله: [الطويل] وما النّاس إلاّ كالدّيار وأهلها... بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع

تنبيه: أقول: إن ما اخترع من أشياء، وما اكتشف من أمور، وما يتحدثون عنه من مغيبات، مثل نزول المطر، وغير ذلك، إنما هو قائم على التجربة، والحدس، والتخمين، كثيرا ما يخطئ، وقد يصيب، فيبقى من مكنون علم غيب الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>