{تَمِيدَ بِكُمْ} جعلها الله منبسطة؛ ليتقلب الإنسان عليها بالذهاب والإياب، كما يتقلب على بساطه وفراشه. قال في التسهيل: شبه الأرض بالبساط في امتدادها، واستقرار الناس عليها، وأخذ بعضهم من الآية أن الأرض غير كروية، وفي ذلك نظر، قال الآلوسي: وليس في الآية دلالة على أن الأرض مبسوطة غير كروية؛ لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحا، ثم إن اعتقاد الكروية، أو عدمها ليس بلازم في الشريعة، لكن كرويتها كالأمر اليقيني، ومعنى جعلها بساطا أي: تتقلبون عليها كالبساط. انتهى صفوة التفاسير، وانظر ما ذكرته في سورة (الرعد) رقم [٣]: {لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً:} لتتخذوا منها طرقا. {فِجاجاً:} مسالك، والفج الطريق الواسع بين جبلين. هذا؛ وفي سورة (الأنبياء) رقم [٣١] تقديم الفجاج، وأخر هنا لتناسب الفواصل.
الإعراب:{وَاللهُ:} الواو: حرف عطف. (الله): مبتدأ. {جَعَلَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله. {لَكُمُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {بِساطاً} كان صفة له... إلخ. {الْأَرْضَ:} مفعول به أول. {بِساطاً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا. {لِتَسْلُكُوا:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل {جَعَلَ}. {مِنْها:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {سُبُلاً،} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا. {سُبُلاً:} مفعول به. {فِجاجاً:} صفة {سُبُلاً}.
الشرح:{قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي:} فيما أمرتهم به من الإيمان، والاستغفار. {وَاتَّبَعُوا} أي: السفلة، والفقراء، والضعفاء. {مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ} أي: الرؤساء، والكبراء، والأغنياء؛ الذين لم يزدهم كفرهم، وأموالهم، وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا، وهلاكا في الآخرة. وفحوى الآية الكريمة: شكوى نوح-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-إلى الله تعالى، وأنهم عصوه، ولم يتبعوه فيما دعاهم إليه من الإيمان بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما داعيا لهم، وهم على كفرهم، وعصيانهم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: رجا نوح عليه السّلام الأبناء بعد الآباء، فيأتي منهم الولد بعد الولد، حتى بلغوا سبعة قرون، فلم يزدادوا إلا ضلالا، ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم، فاستجاب الله دعاءه، وأغرقهم، وعاش بعد الطوفان ستين عاما، حتى كثر الناس، وفشوا.