للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢)}

الشرح: {قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، وأنذرتكم، وأنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه يشهد لي: أني رسوله، والقرآن كتابه، ويشهد عليكم بالتكذيب، وشهادة الله إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه.

{يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي: هو المطلع على أمري وأمركم، ويعلم حقي وباطلكم، كيف لا؟ وهو يعلم ما في السموات والأرض، ولا يعزب عن علمه شيء مهما دق، وصغر.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ} أي: بعبادة غير الله من حجارة، أو شمس، أو قمر، أو إنسان، فإن عبادة ما سوى الله باطل. {وَكَفَرُوا بِاللهِ:} بتكذيب رسوله، وجحد كتابه، أو بإضافة الولد له تعالى.

قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: من آمن بالباطل فقد كفر بالله، فهل لهذا العطف من فائدة غير التأكيد؟ قلت: نعم فائدته: أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول، فهو كقول القائل:

«أتقول الباطل، وتترك الحق» لبيان: أن الباطل قبيح. ومعنى {الْخاسِرُونَ} المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان، والنار بالجنة.

هذا؛ والباطل ضد الحق، والباطل بمعنى الفاسد، والبطلان عبارة عن عدم الشيء، إما لعدم ذاته، أو بعدم فائدته، ونفعه. هذا؛ وبطل من باب: دخل، والبطل بفتحتين: الشجاع، والبطل بضم فسكون: الباطل، والكذب، والبطالة: التعطل والتفرغ عن العمل، ويجمع باطل على أباطيل شذوذا، كما شذ: أحاديث، وأعاريض، وأفاظيع في جمع: حديث، وعريض، وفظيع. هذا؛ ومبطل: اسم فاعل من أبطل الرباعي.

أما كفى في هذه الآية، ونحوها؛ فهو بمعنى: اكتف، والباء زائدة في الفاعل عند الجمهور، وهو لازم لا ينصب المفعول به، ومضارعه مثله. كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وأما إذا كان بمعنى: جزى، وأغنى، فيكون متعديا لمفعول واحد، وإذا كان بمعنى: وقى؛ فإنه يكون متعديا لمفعولين، كما في قوله تعالى: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ}.

وأما الفعل: {يَعْلَمُ} فإنه هنا بمعنى: يعرف، فهو متعد لمفعول واحد فقط، والفرق بين العلم والمعرفة: أن المعرفة تستدعي سبق جهل، وأن متعلقها الذوات دون النّسب بخلاف العلم، فإن متعلقه المعاني، والنّسب. وانظر الآية رقم [٥٢] من سورة (النمل).

<<  <  ج: ص:  >  >>